وقد جعل الرشيد لمدرسته هذه طبقات ثلاثاً تشتمل على ٢٣٢ بيتاً وعلى قبة للصلاة، وكان قد صرف لها عنايته فجاءت آية من آيات الفن المعماري الجميل الذي ورثه المغرب فيما ورث عن الفردوس المفقود.
وأجمعت الأساطير وغير الأساطير على أن الرشيد هو أول من ابتكر (سلطنة الطلبة) بالمغرب وجعلها سنّة قائمة بفاس ومراكش.
فهذه الأطروفة التي قصصناها تستند في النتائج إلى شيء من الحقائق التاريخية، وقد كان حدثني بها واحد من أشياخي الطاعنين في السن قائلاً: إنه رواها عن بعض شيوخه الثقاة، وهي عندي رغم ذلك أسطورة تمت في الأغلب إلى عقلية الشعب وقتئذ بسبب من الأسباب، ولكيلا أكون متجنياً على رواة هذه القصة أو على القصة نفسها أراني مضطراً لأن أبين سخرية التاريخ من حوادثها.
قامت الدولة العلوية المالكة اليوم إثر الدولة السعدية التي تضعضعت أركانها وانحلت عراها بعد وفاة المنصور السعدي وتنازع أولاده من بعده على الملك، وتطاحنهم عليه، وكان طبيعياً أن ينقسم المغرب بين هؤلاء وغيرهم من الزعماء والرؤساء على شكل مقاطعات مستقلة يحكمونها كما شاءوا وكيف شاءوا من غير أن يكونوا مسؤولين أمام سلطان أعلى.
وعلى هذا النحو قصد أهل سلجماسة - قاعدة الصحراء - مولاي الشريف بن علي (والد الرشيد)، وسبق أنه كان لأسرته منزل محترم في قلوب هؤلاء - فطلبوا إليه أن يتولى أمورهم بكل حزم وعزم، وبايعوه ملكاً على الصحراء عام ١٠٤١ لكي يتأهب للذب عن بلادهم وصد هجمات المعتدين عليها، وكان الباعث لهم على هذا قيام محمد الحاج الدلائي واستيلاؤه على تادلة وسلا وجبل درن، ووصوله لنهر ملوية حيث امتدت أطماعه إلى بلاد الصحراء، والسلطان عبد الملك بن زيدان بمراكش على لهوه، ورأسه من حوادث البلاد فارغ أو هو كالفارغ، إذ لا مطمح له في القضاء على كل مناوئيه بالقوة وهي منه براء.
والشريف بن علي على هذا يعتبر أول ملوك الدولة العلوية وإليه يرجع انتسابها؛ أما الرشيد فكانت ولادته سنة ١٠٤٠ أي قبل بيعة أهل الصحراء لوالده بعام فقط، ثم وقعت حوادث بين الشريف بن علي وبين أبي حسون السملالي الذي كان مستولياً على سوس