ودرْعة أدت إلى أسر الشريف وبقائه سجيناً بسوس سنة ١٠٤٥، ولكن سرعان ما بلغ الخبر إلى ولده البطل المقدام محمد، فنهض هذا وتقدم إلى شيعته من أهل سجلماسة يستحثهم على إنقاذ والده والدفاع عن كرامتهم المهانة، ولم يلبث أن جمع جموعاً غفيرة، قادها بعد ذلك إلى معارك كثيرة، كان له النصر في أغلبها، ثم اجتمعت كلمة أهل الصحراء على مبايعته، فبايعوه بسجلماسة سنة ١٠٥٠.
وحدث في سنة ١٠٦٩ أن مات الشريف بن علي، وكان ابنه الرشيد يومئذ شاباً متوقداً يبلغ من العمر ٢٩ سنة فخرج هذا من سجلماسة فاراً بنفسه إلى تدغة خوفاً من أخيه محمد الذي أصبح ينظر إليه بعين مرتابة، خشية أن يطمع في السلطان أو يصبح شريكاً له في الأمر. والحق أنه كان في نفس الرشيد ما كان يتوقعه أخوه محمد ويخشاه؛ فمنذ أن خرج الرشيد من حكومة أخيه وهو يجمع الجموع عليه، ويقوم بدعاوة واسعة لنفسه في طول البلاد وعرضها؛ متنقلاً بين الحواضر والبوادي، وأخوه في كل ذلك يراقبه عن كثب لا يستطيع أن يناله بسوء وهو عنه بعيد
فلما أحس الرشيد من نفسه القدرة على الحرب وشعر بتمكن مركزه من الناس، قام في سنة ١٠٧٥ بأنفاد ودعا لنفسه بها، فاجتمع عليه عرب المعقل وأحلافهم من بني يزناتن وبايعوه ثم دخلوا مدينة وجدة. فلما وصلت هذه الأنباء إلى أخيه محمد توقع الشر منه، فخرج إليه من سجلماسة بمن معه من العرب والبربر وقصده بأنفاد فخرج الرشيد لملاقاته، والتقى الجمعان في حرب شعواء كان محمد أول ضحاياها بعد أن دخلت الهزيمة إلى جيشه. وخرج الرشيد منتصراً من المعركة يحمل جثة أخيه إلى مضجعها الأخير
ثم سار الرشيد إلى سجلماسة فحاصر ابن أخيه محمد تسعة أشهر حتى غلبه عليها، فدخلها ومهد أطرافها، ثم رجع لمدينة تازة. وتطايرت أنباء انتصاراته إلى فاس فتأهب أهلها لقتاله ولكنهم انهزموا أخيراً. وفي عام ١٠٧٧ زحف إلى فاس فاتحاً ودخلها منتصراً بعد أن فر ولاتها، ثم عقدت له البيعة من رجال الحل والعقد بها
وبدخول الرشيد إلى فاس ومبايعة أهلها له أصبح السلطان الرسمي للبلاد المغربية وكل من عداه من رؤساء المقاطعات المستبدين هم ثوار في اعتبار الشريعة والأعراف. لهذا كان لزاماً على الرشيد أن يتتبع أعقاب الثائرين ويستأصل كل إمارة تريد الاستبداد بمقاطعتها.