الروح الجماعية بإنشائها الأعمال التي تقوم على رءوس المال وتَوَزُّع العمل وتساند القوى وتضامن الجماعة؛ وعلى السياسة فكفكفت عنها شِرَّة النفوذ المالي الأجنبي بمنازلتها الجريئة له في ميادينه القوية الحصينة؛ وعلى الإسلام فساعدت على إقامة ركن من أركانه، وكشف الضر عن منزل وحيه وقرآنه؛ وعلى وحدة العرب فوصلتها بأسباب التعاون ووثَّقتها بسلاسل الذهب. والاقتصاد اليوم وقبل اليوم كان دستور الحياة وعلة السعي لها وغاية الجهاد فيها، فلا بدع إذا أثر في كل شيء، وعمل في كل حركة، وهاج في كل ثورة، وصاح في كل نهضة
ذلك هو مدى الاستقلال الاقتصادي الذي يتبوأ عرشه اليوم طلعت باشا حرب، والشعب كله على عُدوتي واديه يعتقد له الحب، ويعرف له الجميل، ويخلص له الشكر، ويختلف في كل شيء إلا في فضله. وتلك منزلة من تكريم الله وتقدير الوطن لا يبلغها إلا الأفذاذ المخلصون الذين شغلهم حب الخير ففكروا وأمِلوا، ثم آمنوا وعملوا، ثم استمسكوا بروح الله وقوة الأمة على عصف الخطوب وإلحاح المكايد، حتى استقر بهم الإيمان على الفوز، واستقام بهم الإخلاص على الطريقة؛ فكانوا مثلاً للجهاد الصابر المثابر الذي يتلمس القوة من جوانب الضعف، ويتطلب الكثرة من أشتات القلة، ويخلق النجاح اليقين من أحاديث المنى، ويرفع في معترك الشبه والظنون هذا الصرح الباذخ فيكون قاعدة للمصلح ومنارة للمتخلف ومثابة للشريد
فليت شعري هل تملك الأحوال الحاضرة عن أن تعوقنا عن أداء الواجب الوطني لهذا الرجل العظيم؟ إنا لا نريد أن نقدم إليه ثروة ولا عمارة ولا شارة؛ إنما نقترح أن تجعل له الأمة يوماً من أيامها الغر الحوافل، تفد عليه فيه طوائفها المختلفة من زراع وصناع وتجار وموظفين وطلبة، فيقدمون إليه شكران الوطن منظوماً في عقود الزهر، وقصائد الشعر، وهزج الأناشيد، وحماسة الهتاف، ليشعر هذا المجاهد البطل، وهو ينفض غبار المعارك الغالبة عن جبينه المتوج، ويمسح أذى السنين الناصبة عن جسده المهدود؛ أن الأمة التي شغل بنهضتها فكره، وقضى في خدمتها عمره، وأنفق فى سبيلها قواه، لم تفرط في جانبه، ولم تقصر في واجبه، ولم تعدُها عن شكر أياديه عوادي الخطوب الراصدة
ذلك الشكر الوطني العلني الحاشد هو في رأينا خير ما يقدم اليوم إلى رجل مثل طلعت