للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من متأخري الشعراء، وإنما كان هناك شعراء حافظوا بكل أمانة على أوزان الشعر وقوافيه، ولم يخرجوا قيد شبر عن بحور الخليل وأنهار تابعيه، وأحسب من هنا جاءت العلة الأولى أيضاً، فكان مفهوماً ألا يهتم شعراؤنا - سامحهم الشعر - بسلطنة الطلبة وما تحويه من معاني الشعر والخيال. وأنى لهم ذلك الحس المرهف، والفكر المصقول، والقلب الشاعر، وهم إنما دخلوا إلى الشعر من باب الأوزان والقوافي؟!

قال رواة الأسطورة التاريخية: عندما أخذت الدولة السعدية في الانحلال والانخذال بعد وفاة المنصور السعدي، نشأ في كل مقاطعة من أرض المغرب رؤساء وزعماء يتولون حكم مقاطعتهم مستقلين تمام الاستقلال عن باقي المقاطعات الأخرى، فكان من سوء حظ مدينة تازة أن جار على مقاطعتها يهودي يدعى ابن مشعل، وامتد نفوذه إلى فاس فأرغم أهلها على تقديم هدية رسمية إليه عند رأس كل سنة. وليس هذا هو الغريب إنما الغريب أن تكون هذه الهدية عبارة عن أجمل فتاة في أكبر أسرة بفاس تقدم إلى ابن مشعل لتكون واحدة من جواريه وخدمه في قصر إمارته، كدليل على إخلاص الفاسيين له، وخضوعهم لحكمه

يالها من خرافة ما أشد سخافتها وبلاهتها عند من يعرفون المغاربة عموماً وأهل فاس على الخصوص! أتبلغ الجرأة بيهودي حقير إلى أن يصير حاكماً على بلد إسلامي، ثم يتجاوز هذا فيرغم بحكم سلطته بلداً عريقاً في الأسلام على أن يقود له أجمل وأشرف فتياته إلى دار الفسق والهوان؟

عندما تسيل آخر نقطة من الدم العربي الطاهر الذي يعيش على وجه البسيطة في المشارق والمغارب، عند ذلك يصح أن يكون لليهود حكم على العرب، أعني على أرض العرب

إيه يا فلسطين، عشت للعرب وعاش العرب لفلسطين

وعادت الأسطورة فقالت: ثم ما لبث أمر اليهودي أن سمع به شاب عربي صميم يدعى الرشيد بن الشريف فأخذته النخوة العربية ونفخت في أعصابه روحاً من الشهامة والإباء وكان طالباً من طلبة الجامعة القروية

فماذا فعل الرشيد يا ترى؟ لقد جمع حوله أربعين شاباً من صناديد الطلاب، ثم تم الاتفاق بينه وبين القائمين بأمر الهدية التي تقدم لليهودي على أن يكون هو هذه الفتاة العذراء التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>