قد يكون هذا، ولكنه بعيد لأن حياة استراوس مع البارونة الصغيرة لم يحدث فيها ما يدل على أنه استشعر الأنوثة التي ترضيه فيها - وهي أنوثة المغاور والكهوف - تحاول أن تغزوه فيصدها بهذه الأمانة. بل الذي حدث هو عكس هذا فقد قدم استراوس عاشقته هذه لشعب من اصحابه في ثورة من ثورات فيينا على أنها فنانة مغنية فقط، ولم يكن في هذا كاذباً ولا مجاملاً، بل كان صادقاً لأنه لم يشعر منها إلا بأنها كما قال. فلم تكن الأمانة الزوجية هي التي حالت دون استراوس وعشيقته، وإنما هذه العاشقة نفسها هي التي التوت على حبها، والتوت على نفسها، والتوت على حبيبها، وكان بيدها ألا تلتوي
وقد يسائلنا سائل عن هذا الذي نطلبه من المسكينة الصغيرة ما هو؟ أكنا نريدها أن تخرج على طبيعة المرأة أكثر مما خرجت فتدعو إليها استراوس بالذي دعت به امرأة فرعون إليها سيدنا يوسف الجميل؟!
ونحن نقول لا. ونقول إن الحب لا ينتج إلا من صراع في الغزل، والصراع في الغزل إذا انتهى إلى حب فهو واحد من حبين في نفس كل من العاشقين: إما حب الحنو، وإما حب الإعجاب، ولم تكن لاستراوس قوة يعتز بها غير قوة الفن، وكان فنه الموسيقى، فلو أن البارونة الصغيرة ناوشته بألحان فإنه لم يكن هناك بد من أن تقهره: إذا فاقت ألحانها ألحانه خلبته واستحوذت عليه عاشقاً وتلميذاً لها، وإذا فاقت ألحانه ألحانها حنا عليها، واحتضنها وراح يسقيها ما هي ظمأى إليه، ورباها كما تربى الدجاجة أفراخها، ولكن البارونة الصغيرة لم تصنع شيئاً من هذا، واكتفت بأن تغني له فكان يرى فيها نفسه هو، ولم يكن ير نفسها. . .
قد كان عليها أن تريه نفسها صريحة واضحة في الفن مهما خشيت أن تتضاءل إلى جانب صفائه وقوته
ربما كانت تنتظر أن يقول لها:(لحني!) بل ربما تكون قد استأذنته في التلحين بأسلوبها المعوج الملتوي فهل عرفت البارونة لماذا لم يأذن لها، ولماذا لم يطلب منها أن تصوغ الألحان. . . ذلك أنه حين أراد أن يلحن. . . لحن، وحين كان يريد أن يغني لم تكن قوة تستطيع أن تحبس صوته. . . فلعله لم يصدقها، أو لعله خشي أن يدعوها إلى شيء قد