تكون عنه عاجزة. . . أو لعله كان يرحمها فيحررها من طلب إذا أجابته فإنما تجيبه إرضاء له هو لا إرضاء لنفسها. . .
وأغلب الظن أنها كانت عاجزة لأنها كانت بارونة. وأغلب الظن أنها كانت تستطيع أن تطاوله، وأنها انطلقت في الحياة كما كان هو منطلقاً فيهما، فإنها ركبا يوماً عربة معاً، وسرحت بهما العربة في أحراش وغابات، وأثارت خطى الجواد الذي كان يجر العربة - وكانت خطى منتظمة على ضرب متسق - بواعث الشدو في نفوس الطير وفي نفسيهما وفي نفس الحوذي الذي كان معهما، فأنشد الطير، وأنشدهما، وأنشد الحوذي، وكان من نشيدهم جميعاً لحن الفالس الكبير الذي لا يمكن أن يقال إلا أن الطبيعة والجواد والطير والعاشقين والحوذي، اشتركوا جميعاً في توصيله من الغيب إلى هذا الكون.
وعلى هذا فقد كانت البارونة من معدن استراوس. كانت هي الأنثى غير الأنثى لهذا الرجل غير الرجل. ولكننا لا ندري كيف أنكرت منه شروده عن رجولة السطح، ولم تذكر أنها حين أفاقت من الفالس الكبير وهي في العربة ألفت نفسها مطوية بين ذراعيها المتشنجتين اللتين كادتا تهصرانها هصراً؟
كان عليها أن تدرك إذن أن له لوناً من الأنوثة خاصاً يخلبه، وهو هذا اللون الشائع في أعماق الطبيعة والذي فاض في نفسها هي عندما كانت تشدو مع الطير ومع الطبيعة ومعه
كان عليها أن تدرك هذا، ولكنها لم تدركه فأي شيء دهاها؟
دهاها هذا (الإتيكيت) الذي نشأت عليه في القصور، ودهتها هذه التقاليد التي علمتها أن تطلب الطعام إذا جاعت بالحديث عن لوحة زيتية تفنن مصورها في رسم تفاحها وكمثراها. . . فإذا سمع استراوس كلامها هذا نظر هو أيضاً إلى الصورة، وتفحص فيها التفاح والكمثرى ولم يفهم بعد ذلك شيئاً. . . فعيناها. . . عيناها تنظر في صدق عجيب إلى جمال التفاح والكمثرى كأنما هي معجبة به حقاً. . . فكيف لا يصدق استراوس إعجابها بالرسم وكيف يعرف أنها جائعة
لا بد أن يشعر وأن يحس؟ أليس هو الحساس الموهوب أكثر مما وهب البشر؟ أليس هو الناقد المتفرس إلى ما وراء المادة والحجب؟ نعم إنه كذلك حقاً. . . ولكنه يلقي هذا السلاح بين يدي محبوبته، فهو يصدق كل ما تقول. . . ويجول معها أينما شاءت، ويسلم لها قياده