الوقت لإثبات ذلك الذي تظنه بديهياً. ليست هندسة هلبرت الجديدة التي ما زالت تجد قليلاً من المطلعين هدفي في هذه الكلمة، وأعتقد أنها سوف لا تكون موضوع كلمة لي في (الرسالة) في الأعداد القادمة. فموضوعها صعب على القارئ، وغايتها أصعب عليه، إنما ذكرتها وأنا في طريق شرح أعمال مليكان - رجل التجارب والمعامل - لأضع أمام القارئ مثالاً للتباين بين النظريات يتبعها المنطق والخيال في أقصى درجاتهما، وبين العلوم التجريبية يتبعها التحقيق والمشاهدة في أقصى حدودهما، فبقدر ما في رياضة هلبرت غير المعروف لكثير من المطلعين من خيال وصعوبة بقدر ما في تجربة (مليكان) من تحقيق تجريبي وسهولة، تحقيق يبعد كل البعد عن التحايل اللفظي.
ليس إذن في قصة مليكان ما يدعو لإثبات مسائل تلتبس علينا مع البديهيات التي يقبلها الذهن، إنما هي في الواقع سلسلة لمشاهدات علمية وتجارب طبيعية، ولو صح لنا أن نتساءل عن تعريف ما نسميه تجارب طبيعية صحيحة (لقلنا إنها تلك التي تؤيد النتائج ذاتها بلغ تكرار هذه التجارب ما بلغ. . .)
ونوجز تجربة مليكان التي قام بها سنة ١٩٠٩ في قياس شحنة الإلكترون أصغر ما نعرفه أو نعيه من الموجودات، وإثبات وجوده كجوهر فرد مستقل يلعب أكبر دور في الكون الذي نشعر بوجودنا فيه، ومن العدل أن نذكر أنه قد تقدمت تجارب مليكان أبحاث علماء عديدين كان لهم الفضل الأول في تهيئة السبيل للقيام بهذه التجربة التي تعد من أعظم مفاخر العلم التجريبي في القرن الذي نعيش فيه، وإذا لم نأت في هذا المقال على أسماء هؤلاء جميعاً، فإن رجال معامل هو في الواقع أول من قام بتجارب فريدة لقياس شحنة الإلكترون التي يرمز لها العلماء عادة
ونعود الآن لشرح عمل مليكان، ولتسهيل الموضوع على القارئ نعمد إلى تقسيم عمله إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول هو الذي نذكره اليوم ونصف فيه الجهاز الذي استنبطه والتجربة التي قام بها هذا العالم لقياس شحنة الإلكترون بل لملاحظة جسيمات منعزلة لا تحمل أحياناً إلا إلكتروناً واحداً، ولا نعرض في هذا القسم لنتائج هذه التجربة ولا نذكر كيف استنبط مليكان من تجربته شحنة الإلكترون وحدة الكهرباء وأصغر الجسيمات التي نعرفها في الوجود، وفي القسم الثاني وهو برنامج الأسبوع القادم نذكر الطريقة التي حسب