فما قالها حتى جمد الناس وعلت الشيخ كآبة، ونظر إليه متعجباً كأنه يقول له: أعن أحمد يسأل أحد؟ وهل تجرؤ على ذكره؟ وكأن الشيخ قد خالطه شيء من الجزع، ثم غلب عليه إيمانه فلم يعد يبالي السلطان وغضبه، وقال للسائل:
- من أين أنت أيها الرجل؟ نحن نكشف عن أحمد أبن حنبل؟
وسكت الشيخ لحظة ثم قال بجرأة عجب لها الناس ولبثوا شاخصين، ينظرون إلى الشيخ يخافون أن تتخطفه جلاوزة السلطان. . .
قال الشيخ:
- ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم
ثم إن الرجل ذهب يستهدي الناس إلى دار أبي عبد الله فمنهم من يعرض عنه خشية أن يكون عيناً للسلطان، ومنهم من يجرؤ فيمشي معه خطوات. . . حتى انتهى إلى الدار
فنال الإعجاب من نفس الفندقي كل منال، وسأله:
- أتقول إنه زاره في منزله أيام محنته؟
قال محمد بن سعيد: نعم. قرع عليه الباب فلما فتح له قال: إني رجل غريب أتيتك من مكان سحيق
قال أبو عبد الله: مرحباً بك، أين بلدك؟
قال: الأندلس
قال: أفريقية؟
قال: لا، أبعد من ذاك، أركب البحر من أفريقية إلى بلدي
قال: لا جرم إنه بعيد، فما حاجتك؟
قال: أسمع منك، وأروي عنك
قال: ولكني كما رأيت وعلمت، لا ألقى أحداً، ولا يدعون أحداً يلقاني، ولست آمن عليك