بهذا، إلا إذا جاء نصْ من اللاتينية أو الإغريقية يقول أن (كينوس) بمعنى (عبد) حينئذ يمكننا أن نركن البنادق مسلّمين!
وسيرى الأستاذ الجليل، من الأقوال الآتية في أصل هذه الكلمة وما قاله المؤرخون، قدامى ومحدثون، ما يجعله يقلّل من أهمية رواية المسعودي الذي إذا صح أنه لم يبتدعها من خياله، فقد أمكن حينئذ أنه استقاها عن طريق. . . (إسرائيليات!) والنكتة في هذا معلومة!
هذه الكلمة قد سجلها التاريخ في مطاويه منذ عهد عريق جداً، فالعرب لا تعرفها مطلقاً، إذ لم تشتهر في تاريخهم، وما وردت في نظمهم ولا نثرهم، فإذا كان المسعودي هو المؤرخ الوحيد الذي ذكرها، فلا شك أنها هبطت عليه عرضاً، وأقتنصها اقتناصاً من أحاديث الروم. ومعنى هذا أنها غير مشهورة بين العرب، ولا جارية على ألسنتهم فهم يجهلونها كل الجهل جهلهم بأصلها!
وهي سارية في كل اللغات الأوربية بهذا المفهوم ألهم إلا في الهجاء الثاني منها فإنه يختلف اختلافاً بسيطاً بحسب اختلاف اللُّغى واللهجات. . .
أما التوصل إلى حقيقتها والتعرف على كُنه تحدرها في مجرى التاريخ فهذا لا يكون إلا بالوقوف على ما كتبه مؤرخو أمتي البحر المتوسط: الإغريق والرومان، فلِهاتين الأمتين صلات وثيقة وتجارة جارية. أجل، عند هاتين الأمتين نشأت كلمة (ساراكينوس) ووردت في تاريخهما معزّزة بهجماتهم المتوالية على حدود الممالك الإغريقية والرومية في مصر وفلسطين وما وراء بلاد الأنباط. وكانت قوافل السبأيين من أقصى الجنوب تفيض موقرة بالأحمال، معطّرة الأعطاف بالبهار والأطياب فتتسلمها عن طريق أيدي هؤلاء (السراكينوس) لتتوزع في قصور أوربا ومعابدها عن طريق الأغارقة والرومان. . .
وإذا كانت هذه الكلمة أصبحت اليوم علماً خاصاً يطلق على العرب، فإن مفهومها قديماً كان على عكس ذلك؛ فقد كانت تدور في دائرة ضيقة من التعريف، لا تطلق على الشعب العربي كله وإنما كانت خاصة بقبيل معيّن يسكن على شواطئ خليج العقبة في الجزء الجنوبي لجزيرة سيناء يعرفه الإغريق بـ (ساراكِيني)
وأقدم ذكر جاء لهذه الكلمة في كتاب المؤرخ الإغريقي ديوسكوريدس في منتصف القرن الأول من ميلاد المسيح عندما وصف صمغ (المقل) فقال: إنه ينبت من (شجرة ساركينية).