إذا هَان دَاعِيهِ في قلبهِ ... غَدا كلُّ شَيءٍ بِهِ أهْونا
أكانَ يُعجِّل لولا الفِداءُ ... فيُفلتُ من سحرِ هذا الجمالْ؟
ويمضي إلى حيث شبَّ اللَّظَى ... وجُنَّ الردى واستحرَّ القتال؟
إلى حيثُ لا يهدَأ الجاهدون ... سوى غفوةٍ في الليالي الطوال؟
وَيُنْذِرُ بالويْلِ وجهُ النهارِ ... وتَّمشي إليه جمُوعُ الرِّجال؟
يُؤرِّقُني طيْفُ هذا الودَاعِ ... وتَبعثُ ذِكْراهُ أشجانِيَهْ
أُغَنِّي لِمرآهُ لحْنَ الأسَى ... وكم ألْهَمَ الوَجدُ ألحَانِيَه
وإني لذو كِبْرةٍ في الخُطوبِ ... وإن أغرَقَ الرِّفقُ أجفانِيَه
أرَى منظراً حارَ فيه القرِيضُ ... وأوْشك زَاخِرُهُ يَنضُبُ
قُصاراىَ فيهِ هُتافِي بهِ ... فليسَ إلى وصْفِهِ مَذْهب
لئن كان يوحي البُكَا وَجْدُهُ ... فَكَم خاطِرٍ فيه يُسْتعْذَب
إذا لَم تَرِفَّ قُلوبٌ له ... فهنَّ من الصخْرِ أو أصْلب
ألاَ كَم أراعُ لهذا القَوَامِ ... تَمَشَّى من الهمِّ فيه الوَهَنْ
ويوجِعُ نفسِيَ بَرْحُ العذابِ ... يُلِحُّ على مثل هذا البَدَن
لَها اللهُ يُذْهِبُ عنها الأسَى ... ويَدْرَأُ عنها غَوَاشِي المِحَن
تَفجُّعها - يا غَلِيلي لها - ... لَدَى البَينِ عن غيرها شاغِلي
يُعذِّبُنِي أنهُ رَاحِلٌ ... وأنَّ بُكاها بِلاَ طائِلِ
ودِدْتُ لَو أنّي لبستُ الحديدَ ... وكنتُ فِدى الراحِلِ الباسل!
أمِيلُ بلَحظِي إلى وَجْهِهِ ... فيا حَيْرَةَ اللَّحظِ في أمْرِهِ!
معاني الفجيعَةِ في ناظِرَيْهِ ... وعَزْمُ الكَماةِ على ثَغرِه
يُريها التجَلُّدَ في صَمْتِهِ ... فَتَكشفُ عيناهُ عن سرِّه
وأنّى لهُ الصبرُ في مَوْقفٍ ... سَقاهُ النوَى فيه من مُرِّه
تَجلَّدَ لا من حِفاظٍ فحسْبُ ... ولكن ليَبدُو جَدِيراً بها
فللموْتُ أهَوُن من أن تُحِسَّ ... مَعانِي تَوَقِّيهِ في قَلبِها
وليسَ يَهَابُ الرَّدى قَلبُهُ ... إذا عَوّذَتهُ بإعجَابها