هو الحُبُّ حتى لدى الموت يحيي ... نفوسَ الرِّجالِ ويسمو بها
تسائِلُ عيناهُ هلْ تَرْتَجي ... لَهُ أوْبةٌ بعدَ هذا النَّوى؟
ولكنَّهُ لنْ يُطيعَ الخيالَ ... فَكمْ فيهِ قادِحةٌ للجوَى
وهلْ يعصمُ المرَء مِنْ حتفهِ ... جحيمُ الوَغى أو نَعيمُ الهوى؟
تحيرْتُ ماذا أثارَ الجوَادَ ... ولاحَ لِيَ الهوْلُ في وثبِهِ
أذلِكَ دأبُ كِرَامِ الجِيادِ ... إذا الرَّوْعُ أُعلنَ عن قربِه؟
أمِ اهتاجَ مِمْا يَرى حَوْلهُ ... فَجُنّ بما لَجَّ في جَنبِهِ؟
معانٍ يَصِفنَ لِقلبِي العذابَ ... ويمْلأَنَ نَفْسيَ مِن رُعبِه
عرَفتُك يا ساعةَ البيْنِ قَبلُ ... وقَرَّ عذابُكِ في خاطري
غداةَ ذَرفتُ عَصيَّ الدُّموعِ ... فَأرخصتُ دمعي لدى آسِري
وضاقتْ عليَّ الرِّحابُ الفِساحُ ... وأظلَمتِ الأرضُ في ناظري
وَأوْحشَ كلُّ مكانٍ عرَفتُ ... وغاضتْ رُؤى صُبحهِ الزاهرِ
عرَفتُكِ قبلُ وأيُّ امرِئ ... دَهيْتِ فلمْ يكُ بالجازعِ
عرَفتُك حين يرجَّى الإيابُ ... فما كانَ ذِكرُ غَدٍ نافِعي
فَكيف بهذا الذي لا يَرى ... سوى الموتِ في هوْلِه الفاجعِ؟
سيمضي إلى الرّوع ثبْت الجنان ... وإن كان يشقَى بأوهامهِ
تَفيضُ على رغمهِ مُقلتاهُ ... ويذْكرُ ماضيَ أيّامهِ
فيمسحُ عينيهِ خوفَ الرقيبِ ... وينْفي الهمومَ بإقدامه
ويكتئبُ البيتُ منْ بَعدهِ ... فما منْ جليسٍ ولا آنسِ
تطوفُ بأرجائِهِ وحشةٌ ... كما طافَ بالطللِ الدارسِ
وليسَ إذا جنَّهُ لَيلُهُ ... سوى خفقِ مصباحهِ الناعس
تطلُّ إذا الصُّبحُ لاحَ لها ... على شَجَنٍ في جميع النّواحْ
فليسَ الندَى في مآقي الوُرود ... سوَى أدُمعٍ من بُكاء الصباح
وهذى الهواتفُ نوْاحهٌ ... بِأغصانِها لا تَملُّ النُّواح
تعلِّلُ أطفالها تارةً ... وطوْراً تصيحُ بهمْ زاجرَه