ولما استكشف سر زمن الغراس وزمن الحصاد استطاع الإنسان أن يكف عن التجوال صعوداً وهبوطاً على سطح الأرض وأن يقر في مكان يستثمر به الأرض طلباً للقوت. وقد عرفت كل القبائل ذلك في أوقات طالت أو قصرت فاستقرت بأماكن اختارتها
وحاجات الطعام الإنساني هي السبب في صناعة الأواني فمنها أوعية للماء وأخرى للطبخ وأوعية لحفظ الطعام بين وجبة ووجبة. وأخيراً أوعية ليتناول فيها الطعام
وباهتمامه بالحالة التي يقدم بها له الطعام نشأ التبديل من الأوعية الغليظة المصنوعة من طين الأرض إلى الأواني الصينية التي تكاد تكون شفافة لرقتها
وكانت كل أسرة تأكل على مائدة واحدة وكان طبقها واحداً في البداية، ثم صار لكل فرد طبقه الخاص. وفي نفس الوقت كان التقدم مستمراً في ناحية أخرى متصلة بحاجة العالم إلى الطعام فإن الإنسان كان يجوب الأرض براً وبحراً فاستطاع نقل الطعام من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب حول الكرة الأرضية. ولكن الطعام الذي ينقل كل هذه المسافات البعيدة أو الذي يحفظ مدداً طويلة يجب أن لا يكون في درجة من النضوج لا تسمح بالنقل إلا من اليد إلى الفم. ويجب أن تستبقي فيه حلاوته وسلامته وجدّته. فجاءت علبة الصفيح المختومة مُلائِمةً لهذه الحاجة. وبواسطتها أصبح عهد استكشاف الطعام تاماً
كان على الإنسان في البداية أن يكثر من التنقل طلباً للقوت ومن ثم نشأت المهاجرات العظيمة ثم تعلم صنع الطعام في موطنه، وبذلك نشأت المدنيات المنفصلة، والآن يستطيع أن ينقل الطعام إلى حيث شاء؛ فأصبحت له الحرية العصرية في الانتقال، وقد نقلتنا هذه الأساطير في كل الدورة. ففي البدء كان عليه أن يتحرك ثم كان له أن يستقر. والآن له أن يتحرك وأن يأخذ معه مختلف الأطعمة أو يستقر ويستدني إلى مائدته الطعام من أنحاء العالم
وفي قصة الزعيم الملايي وبذوره، وفي فن صنع الأواني وتأثيره على الطبخ، وفي تقدم فن الكيمياء وتأثيرها على اختيار أنواع الطعام وطرائق تناوله، وفي قصة العالم الفرنسي الذي سنتحدث عنه وحصوله على الجائزة، في هذه القصص سنرى تطور هذه الأشياء
الأقاصيص كثيرة في كل قبيلة على سطح الأرض عن الأيام الأولى من عهد تعلم الإنسان ما على هذه الدنيا العجيبة من الغرائب وما في بطنها من الكنوز التي تنتظر المستكشف.