وبينه من مودة كلها صفو وإخاء استطعنا أن نجعله فوق ما يتنافس الناس فيه من المنافع وأغراض الحياة، وإنما أريد أن أنصفه، وأشهد لقد فكرت وقدرت، وجهدت نفسي في أن أجد شيئاً من العيب ذي الخطر أصف به هذا الكتاب الذي أقدمه إلى القراء فلم أجد، ولم أوفق من ذلك إلى قليل ولا كثير.
وليس ذنبي أن (أحمد أمين) قد قصد إلى عمله في جد وأمانة وصدق، وقدرة غريبة على احتمال المشقة والعناء، والتجرد من العواطف الخاصة. والأهواء التي تعبث بالنفوس، فوفق من ذلكإلى أعظم حظ يستطيع العالمأن يظفر به في هذه الحياة. نعم؛ وليس من ذنبي أن (أحمد أمين) قد استقصى فأحسن الاستقصاء، وقرأ فأجاد القراءة، وفهم فأتقن الفهم، واستنبط فوفق إلى الصواب. ليس من ذنبي هذا ولا ذاك، وليس من ذنبي أن (أحمد أمين) بعد هذا كله، وبفضل هذا كله، قد فتح في درس الأدب العربي باباً وقف العلماء والأدباء أمامه (طوال هذا العصر الحديث) يدنون منه ثم يرتدون عنه، أو يطرقونه فلا ينفتح لهم، ووفق هو إلى أن يفتحه على مصراعيه، ويظهر الناس على ما وراءه من حقائق ناصعة، يبتهج لها عقل الباحث والعالم والأديب، ليس شيء من هذا ذنبي أنا! وإذا لم يكن بد من أن يلام أحد لأن عالماً مصرياً قد وفق إلى هذا الفوز المبين، أهدي إلى اللغة العربية كتاباً لم يسبق إلى مثله، فليُلَم هذا العالم المصري نفسه، وليعاقب (أحمد أمين) لأنه ظفر بهذا الفوز.
لقد اختار (أحمد أمين) لكتابه عنوانه هذا (ضحى الإسلام) وهو لا يقدر إلا أن الضحى يأتي بعد الفجر، وأنه وقد أظهر (فجر الإسلام) يجب أن ينغمس في ضحاه. أما أنا، فكنت أفهم معه هذا الفهم، وأذهب معه هذا المذهب، ولكني لم أكد أبدأ معه قراءة الكتاب حتى أخذت أحس شيئاًلم أرد أن أتحدث به إليه، مخافة أن يكذب ظني مضينا في قراءة الكتاب، ولكننا مضينا، ومضينا حتى أتممنا هذا الجزءالذي نقدمه إلى القراء. فإذا هذا الشيء الذي كنت أحسه يزداد وضوحاً وجمالاً وقوة. وإذا ظني يصدق شيئاً فشيئاً حتى يصبح يقيناً وإذا أنا مؤمن إيماناً لا يشوبه الشك بأن هذا الكتاب الذي أنا سعيد بتقديمه إلى القراء يلقي على تاريخ الإسلام في العصر العباسي الأول نوراً رائعاً وضاء قوياً هو أشبه شيء بنور الضحى.
فالكتاب (ضحى الإسلام) لأنه يدرس تاريخ الحياة العقلية للمسلمين في القرن الثاني