للهجرة، وهو (ضحى الإسلام) لأنه قد جلى هذه الحياة وأظهرها للناس كأوضح ما يمكن أن تكون، وكأجمل وأبهى ما يمكن أن تكون، ولست أدري أيهما أهنئ بهذا الفوز (أحمد أمين) لأنه قد جدوألح ومضى في الجد وإلحاح، حتى انتهى إلى هذا التوفيق، أم الجامعة المصرية لأنها قد اهتدت إلى (أحمد أمين) ووكلت إليه ما وكلت من أنواع الدرس وفنون البحث، ولعل الخير كل الخير في أن أصرف هذه التهنئة عن (أحمد أمين) وعن الجامعة إلى الذين يقرءون اللغة العربية، ويعنيهم أن يؤرخوا آدابها، ويستكشفوا ما اشتملت عليه من الكنوز التي كانت مجهولة إلى الآن، هؤلاء أحق بالتهنئة لأنهم سيسيرون منذ اليوم إلى أغراضهم في طريق واضحة سهلة معبدة، يغمرها نور الضحى.
لن تكون حياة المسلمين منذ اليوم، كما كانت من قبل، غامضة مضطربة، يتحدث عنها مؤرخو الآداب بالتقريب لا بالتحقيق، ويقولون فيها بالظن لا باليقين. ذلك عصر قد انقضى، وألقى بينه وبين الذين سيؤرخون الآداب ستار صفيق. ألقاه (أحمد أمين) وأصبح الذين يقصدون إلى تاريخ الأدب قادرين منذ اليوم على أن يحققوا ويستيقنوا، ويسيروا فيبحثهم على بصيرة وهدى.
ما أكثر ما كنا نضيق صدراً بهذه الرموز الغامضة التي كان يلجأ إليها مؤرخو الآداب حين كانوا يذكرون تطور الحياة الإسلامية (أيام بني العباس) بفضل الاختلاط بين العرب وغيرهم من الأمم. وبفضل اتصال العقل العربي بالعقول الأجنبية، وبفضل الترجمة والمترجمين؛ والتأليف والمؤلفين. كانت هذه الألفاظ كلها رمزاً إلى الآن تدل على أشياء كثيرة، ولكنها لا تدل على شيء. تُصَوِّرُ أمام الباحثين صوراً مختلطة مضطربة لا تحصى ولا تستقر، فهي ذاهبة أبداً، جائية أبداً، غامضة أبداً. نسعى إليها، ولا نظفر بها. أو يصرفنا عنها الكسل العقلي؛ الذي هو آفة حياتنا الأدبية في هذا العصر.
أما الآن فقد ضبطت هذه الصورة أحسن ضبط وجليت أحسن تجلية، وأصبحنا إذا ذكرنا تطور الأمة العربية أو الأمم الإسلامية في القرن الثاني للهجرة نعرف بل نحس حقيقة هذا التطور ومصدره، والآماد التي انتهى إليها، وأصبحنا إذا ذكرنا الحياة الاجتماعية للمسلمين في هذا العصر لا نقول كلاماً مبهماً، وإنما نقول كلاماً يدلعلى ما يراد به أحسن دلالة وأجلاها؛ يدل على طبيعة هذه الحياة وما تقوم عليه من اتصال بين الأفراد والجماعات،