قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
فقد ملكت روعتها مشاعره واحساساته. وشهد لهما (بالضبط الذي لا يفطن إليه سوى كبار الشعراء)(ص٢٥)
قولوا ما شئتم في قيمة هذين البيتين الأدبية، أما أنا فلا أعتقد أن لهما جمالاً يخلب اللب ولا سحراً يأخذ بالقلوب، ولا ضبطاً يجدر بصغار الشعراء أن ينتبهوا له بله كبارهم وأي روعة أدبية فيهما وهما يرسمان خارطة لمنزل حبيبة الشاعر؟ وهل من الأدب في شيء قولي: إن شارع أبي نواس يقع في نهاية (الباب الشرقي)، ويمتد على ضفة دجلة اليمنى، تكتنفه المقاهي والمتنزهات؟. كلا، إن هذا الضرب من الكلام أقرب إلى كلام العوام فلا يهم الأدب شيئاً. إنما يهمه ما في الشارع من قدود هيف، وعيون دعج، ومنظر للنهر وللفضاء ساحر أخاذ حين تجنح الشمس للغروب ويتحرك النسيم العليل
وهل فطن الدكتور للأخطاء التي ارتكبها الشاعر في تركيب هذين البيتين فأثرت على معناهما وقللت من قيمتهما؟
رحم الله الباقلاني فقد قال: إن امرأ القيس في مطلع قصيدته المعلقة كأنه دلال يبيع داراً ينادي إن الدار المرقمة كذا، والتي يحدها من الشمال كذا وكذا معروضة للبيع
وغفر الله للأستاذ إبراهيم شوكت قوله: إن امرأ القيس واضع أساس علم الجغرافية عند العرب، فهو يعرف الشمال والجنوب ويحسن التحديد
وبارك الله في الدكتور زكي مبارك فإنه يستخف هذا النوع من الكلام ويأبى حشره مع الأدب ونسبته له
وأحدثكم بعد هذا عن ادعاء للدكتور مضطرب مختلط إذ يقول (ص١١): (إن شعر امرئ القيس لا ينفي شيئاً ولا يثبت شيئاً. . . وإن مؤرخي العرب لم يستدلوا بشعره يوماً ما على شيء) من حياة الشاعر أو تاريخه. وفي هذا القول من الخطأ والزلل ما يثير الدهش والاستغراب. إذ يُستخلص منه أن قصائد الشاعر لا تمثل شيئاً ولا تدل على شيء، فهي إما لغو وإسفاف لا يمكن أن يستنبط منها صورة حياة الشاعر، وإما انتحال واختلاق حملت عليه حملاً؛ وإن ما نسب له من شعر موضوع مفتعل من قبل أناس لم يحسنوا التقليد ولم