يمرنوا على الإيهام، وإن (قفا نبك) التي لا يشك المؤلف (ص١٣): (في أنها جاهلية بحتة ولا في أنها من شعر امرئ القيس ذاته) ليست له
تلاحظ هنا ارتباك المؤلف وخبطه ومناقضته لنفسه، فبينما يقرر حقيقة وجود امرئ القيس إذا هو ينفيه من حيث لا يشعر، وبينما يعترف بأن شعره المنسوب إليه لم ينظمه سواه إذا به ينكره غافلاً
والذي ساقه إلى هذا التورط المحاولة التي يدحض بها استخلاص الدكتور طه حسين من قصائد الشاعر ما يستدل به على إنكار تاريخه
ويزعم بهذه المحاولة أن ما أُثر عن امرئ القيس في شعر لا يصح الاعتماد عليه لمعرفة حياته، وأنه يجب أن نرجع إلى المصادر التي يروي عنها مؤرخو العرب ونستقي منها ما يمكن أن يقال عن الشاعر
لقد بينت سابقاً أن الدكتور البصير يثق كل الثقة بما يرويه المؤرخون ويتناقله القدماء بلا جدال ولا مناقشة. فهنا يسوق برهاناً آخر على حسن ظنه وعظيم تمسكه بهم، حتى إنه لينكر على الناس أن يركنوا في استطلاعهم على تاريخ امرئ القيس إلى شعره ويفرض عليهم أن يلتفتوا إلى ما قاله القدماء بلا شك ولا ارتياب
أنصح لك يا دكتور مرة أخرى ألا تثق في أقوال القدماء كل الثقة، وأن تستمع للقائل الأصيل فهو أصدق وأحق أن يرجع إليه، وألا تتهم مؤرخي العرب بأنهم لم يستدلوا يوماً ما على شيء من حياة الشاعر أو تاريخه، فليس من المنتظر أن يصدر منك هذا القول الجزاف
هل تنكر أن الشعر بصورة عامة يمثل حياة صاحبه وأنه مرآة عاداته وأخلاقه وتقاليده وميوله
إن الأستاذ العقاد استطاع أن يعطي صورة صادقة عن ابن الرومي رسمها في شعره، وإن الأدباء اليوم لا يكتبون عن شاعر أو كاتب حتى يشبعوا شعره أو أدبه دراسة وتمحيصاً
الله أكبر. إن شعر امرئ القيس لا يمكن الاعتماد عليه ولا يدل على شيء من تاريخ صاحبه وهو الذي يحدثنا أن (قفا نبك) لا تمثل سوى حياة قائلها
ولا أدري كيف جوز لنفسه أن يقول إن المؤرخين لم يستدلوا من شعره على حياته! ألا