والبحرية التي تربطها ببريطانيا أيضاً؛ ومن المعلوم أن قنال السويس وبحيرة الحبانية وثكنات مصر ومطارات العراق، من جملة وسائل هذه السيطرة، فهل يعقل أن يخشى الإنكليز - بالرغم من مرونتهم السياسية - من قيام دولة إسلامية كبيرة تستطيع أن تستولي على الهند، أكثر مما يخشون من قيام دولة عربية قوية تستطيع أن تسد طرق المواصلات المذكورة؟
يجب أن نعرف جيداً أن السياسة الإنكليزية سياسة عملية تتكيف مع الظروف وتنتهز الفرص على الدوام. ويجب ألا ننسى أن بريطانيا العظمى هي التي أنقذت الدولة العثمانية صاحبة الخلافة الإسلامية من استيلاء الروس عدة مرات. وهي التي كانت أوقفت الجيوش المصرية في قلب الأناضول، لتخليص مقر الخلافة الإسلامية من استيلاء تلك الجيوش الظافرة. وهي التي حالت دون اتحاد مصر مع سورية في عهد محمد علي الكبير
فكل من يتهم فكرة الوحدة العربية بكونها دسيسة إنكليزية يكون قد قام بخدعة ما وراءها خدعة، ووقع في انخداع ما بعده انخداع
يجب أن نعلم حق العلم أن فكرة الوحدة العربية فكرة طبيعية لم يوجدها موجد. إنها نتيجة طبيعية لوجود الأمة العربية نفسها. هي قوة اجتماعية تستمد نشاطها من حياة اللغة العربية وتاريخ الأمة العربية واتصال البلاد العربية. فلا يستطيع أحد أن يدعي - بصورة منطقية - أن الإنكليز هم الذين خلقوا فكرة الوحدة العربية إلا إذا استطاع أن يبرهن على أن الإنكليز هم الذين خلقوا اللغة العربية، أو أوجدوا تاريخ الأمة العربية، وكونوا جغرافية البلاد العربية
إن فكرة الوحدة العربية من التيارات الطبيعية التي تنبع من أغوار الطبيعة الاجتماعية لا من الآراء الاصطناعية التي يستطيع أن يبتدعها الأفراد أو تستطيع أن تخلقها الدول. . .
إنها ظلت كامنة - شأن الكثير من القوى الطبيعية والاجتماعية - منذ عدة قرون لأسباب وعوامل تاريخية كثيرة لا مجال لشرحها هنا؛ غير أن كل شيء يدل على أن دور كمونها قد انتهى، وأن تيارها أخذ يظهر للعيان وصار يتدفق شيئاً فشيئاً. ولاشك في أن تيار هذه الفكرة سيزداد تدفقاً من جميع النفوس العربية بسرعة متزايدة تزايداً هائلاً. وسوف لا يلبث أن يغمر جميع البلاد العربية ويعيدها إلى مجدها السالف ونضرتها الأولى، بل إلى ما هو