للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حكَّمت سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها

روّيتُ من دمها الثرى ولطالما ... روّى الهوى شفتيَّ من شفتيها

فَوحقِّ نعليْها وما وطئ الثرى ... شيءٌ أعزُّ عليّ من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الذباب عليها

لكن بخلتُ على الوجود بحسنها ... وأنِفتُ من نظر العيون إليها

فقد شرح الشاعر فكرته أتم الشرح، وصورها أكمل التصوير. . .

وهل وصلت إلى احمد أمين أخبار تلك الوصية الرائعة التي بعث بها العباس بن الأحنف إلى حجاج البيت الحرام، وقد توقع أن يمروا بدار هواه

انظروا إلى ذلك العليل، وقد تمرد الداء، وتعذر الشفاء، وكلما عصر الماء في فيه مجه، كما يصنع الطفل الوليد. . . وقد ذهبت العلة بجمال نظراته، وبريق بسماته، وإن نودي لم يجب بغير الأنين. . . انظروا إليه! وقد تمنى جرعة مزجت بريق حبيبته يحملها الحجاج في زجاجة، ولو أمكن أن تنقل النظرة لرجاهم أن يحملوا إليه نظرة، ولو خلق (الحاكي) في ذلك الحين لرجاهم أن ينقلوا إليه نغمة من نغماتها العذاب، ولو مهر المصورون حينذاك لكلفهم أن يصوروا مشيتها في الضحى والأصيل. . . انظروا إليه وهو يرجوهم أن يتعللوا عند أهله، فيذكروا أن تلك الجرعة العذبة إنما هي من ماء زمزم. . . انظروا إليه وقد أوصاهم أن يرشوا ريق من يهوى على وجهه، فإن صادفوه ميتاً فليرشوه على قبره. . .

انظروا كيف يقول:

أزوَّار بيت الله مُرُّوا بيثربٍ ... لحاجة مبتول الفؤاد كئيب

وقولوا لهم يا أهل يثرب أسعدوا ... على جَلَب للحادثات جليب

فإنا تركنا بالعراق أخاً هوىً ... تنشّب رهناً في حبال شعوب

به سقَمٌ أعيا المداوين علمه ... سوى ظنهم من مخطئ ومصيب

إذا ما عصرنا الماء في فيه مجهٌ ... وإن نحن نادينا فغير مجيب

خذوا لي منها جرعة في زجاجة ... ألا إنها لو تعلمون طبيبي

وسيروا فإن أدركتُم بي حُشاشةً ... لها في نواحي الصدر وَجْس دبيب

فرشوا على وجهي أفق من بليتي ... يثيبكُم ذو العرش خير مثيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>