للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فإن قال أهلي ما الذي جئتم به ... وقد يحسن التعليل كل أريب

فقولوا لهم جئناه من ماء زمزم ... لنشفيه من دائه بذَنوب

وإن أنتُم جئتم وقد حيل بينكم ... وبيني بيوم للمنون عصيب

وصرت من الدنيا إلى قعر حفرة ... حليف صفيح مطبق وكثيب

فرشوا على قبري من الماء واندبوا ... قتيل كَعابٍ لا قتيل حروب

فهذا الشاعر قد قص قصة بلواه بأسلوب تحليلي رائع لا أدري كيف ينكره احمد أمين

وما رأيكم فيما قال كثير في السخرية من عهود النساء:

ألا إنما ليلى عصى خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكفّ تلين

تمتع بها ما ساعفتك ولا يكن ... عليك شجاً في الحلق حين تبين

وإن هي أعطتك الليان فإنها ... لآخر من خلاتها ستلين

وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين

وما حاجتنا إلى تحليل هذا المعنى وقد وفاه في بيت واحد من يقول:

فلا تحسبن هنداً لها الغدر وحدها ... سجية نفْس، كل غانية هندُ

إن احمد أمين ينتظر شعراء يحللون، فهل أتاه حديث أبي العتاهية في الزهديات، وحديث أبي نؤاس في الخمريات، وحديث الشريف الرضي في الحجازيات، وحديث الكميت في الهاشميات، وحديث الأبيوردي في النجديات، وحديث البحتري في طيف الخيال، وحديث العباس بن الأحنف في الكتمان؟

وهل عنده علم بوصف الربيع في شعر أبي تمام؟ وهل سمع بأشعار ابن زيدون في الحنين؟ وقل قرأ قصائد ابن خفاجة وا بن حمديس؟ وهل فتح الله عليه فنظر بكاء الرندي يوم سقوط الأندلس؟ وهل قرأ فائية ابن الفارض؟ وهل اهتدى إلى حائية ابن النحاس الذي يقول:

كم أداوي القلب! قلتْ حيلتي ... كلما داويت جرحاً سال جرح

وهل عرف مصير أشعار بديع الزمان الذي يقول:

رأيت الناس خدَّاعاً ... إلى جانب خدَّاعِ

يعيثون مع الذئب ... ويبكون مع الراعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>