للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فرق عندهم بين من قرأ منهم كتبه ومن لم يقرأ. ولا يضع لورنس كل اللوم على هؤلاء الناس، بل هو يوجه بعض لومه على القرن السابق الذي لا زالت تعاليمه مسيطرة على عقول الناس في العصر الحالي، تلك التعاليم التي أكل عليها الدهر وشرب، والتي ظهر خطأها وكان يجب أن يبطل العمل بها. وليس أدل على تأخر جيل من خضوعه لقيود الجيل السالف واستسلامه لتعاليمه، وإن ينطبق هذا على شيء فهو ينطبق على القرن العشرين الذي ما زال يرسف في أغلال القرن التاسع عشر على الأقل من الوجهة الاجتماعية. ففي مجتمعاتنا لا زلنا نحرص على التمسك بقيود أسلافنا، وحتى في الأفلام التي نشاهدها، وفي الكتب التي نقرأها، وفي الأحاديث التي نستمع إليها، مازال لهذه التقاليد أكبر سلطان علينا! فمثلاً لا زلنا نعتقد أن الجنس والعلاقة الجنسية هي من الموضوعات المحرمة التي لا يجب الخوض في بحثها، أو الإشارة إليها إلا متسترين، أو من طرف خفي. فالوالدان إذ يتحدثان إلى فتاتهما لا يزالان يقنعانها أنها يجب أن تكون في نقاوة الزهرة وطهر الملائكة، وهم إذ يشبهونها بالزهرة فإنما يقصدون أنها يجب أن تتخذ الزهرة مثلها الأعلى! ووجه الشبه الذي بينهما هو - في اعتقادهم - خلو كل منهما من الرغبة الجنسية. وأمثال هؤلاء القوم مخطئون في تشبيههم، فلا الزهرة خالية من الرغبة الجنسية، ولا الفتاة بمستطيعة أن تكون في غنى عن هذه الرغبة! والحقيقة أن للزهرة جنساً، وأن لها رغبة جنسية، وليس من العدل في شيء أن نحرم الفتاة مما لم تحرم منه الزهرة، بعد أن شبهنا الواحدة بالأخرى. ومع ذلك لا يفتأ الوالدان يكرران على مسمع الفتاة أمثال هذه الترهات حتى يأتي الوقت الذي تبغض فيه الجنس الآخر، وتنظر إليه نظرتها إلى عدو لدود، ولكنها بعد أن تنمو وتكبر وتصل إلى الدور الذي تبحث فيه عمن سيكون شريك حياتها، تصطدم بالفكرة الخاطئة التي غرسها في نفسها والداها، فيحدث عندها انقسام وصراع ينغص عليها عيشها ويفسد حياتها!

وليس في استطاعة أحد تعريف الإباحية أو تحديدها، بل هي في الحقيقة أمر نسبي كغيره من الأشياء النسبية، فما يعده شخص إباحياً، قد يعده شخص آخر غير ذلك، وما كان إباحياً في عصر من العصور قد لا يكون كذلك في عصر آخر وهكذا. فمثلاً كان الإنجليز في عصر كرمويل يعدون رواية (هاملت) إباحية لا يستسيغها ذوقهم ولا تتفق وتعاليمهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>