على اختلافها، والإلهام والفكر والتجاريب تتكون جميعها لتخلق في الإنسان حالة فكرية أكثر تشعباً وأشد اختلافاً مما في الحيوانات الدنيا.
وليس للإنسان فضلاً عن ذلك فصول معينة ينقطع فيها إنتاجه كالحيوان ويعجز عن مواصلة الحب. والإنسان بطبعه معرض للاختلاجات النفسية على الدوام وله مقدرة على كبح هوى النفس. وأما الحيوان فله حياته الخاصة المحصورة بين غريزة وأخرى، ولن يكون عرضة للغرائز المتباينة والاحساسات المضطربة التي تشغل نفس الإنسان
وللعقل الإنساني فوائده ومزاياه في فهم التجارب وترتيبها في نفس الإنسان، إلا أن هذا قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ارتطام العواطف واختلاف الأهواء والأغراض. فالذين لا يستطيعون أن يتغلبوا على أهوائهم يعيشون عيشة ليس فيها راحة ولا استقرار، والذين يقدرون على كبح جماح النفس وإبعادها عن العوامل المتباينة المتناقضة التي تضطرم فيها يحيون الحياة الإنسانية الصحيحة الهادئة. وللتعليم ولا شك شأنه في إخضاع تلك الأهواء للعقل والمنطق وإيقافها عند حدها. ومما لا ريب فيه أن العوامل الجنسية هي من أقوى ما يتسلط على نفس الإنسان، إلا أنها تقابل بالكبت الشديد في حياتنا الاجتماعية
لذلك كان الحب من الظواهر العجيبة عند الإنسان، فهو يجمع بين أسمى العواطف وأحط الغرائز؛ وهو يفك النفس من عقالها ويقيدها بأثقل الأغلال، وهو يجمع بين الثورة والهدوء
ولا يغيب عن البال أن للحب مراتب وأحوالا لا يدركها الحصر، وللحب ألوان متعددة بعدد المحبين، إلا أن تلك الألوان وإن اختلفت وتعددت يجمعها شيء من التشابه
وتظل النفس الإنسانية ناقصة ما لم يكملها الحب. فهو أقدر العواطف على تحويل الفكر من مرتبة الطفولة إلى مرتبة النضوج؛ فهو يمد الإنسان بشتى الوسائل التي تطلق الروح من قيود الطفولة. وقد يكون الحب فوق ذلك وسيلة عند كثير من الناس لاكتشاف خبايا النفس، ومعرفة أسرارها
إذا نظرنا إلى الحب من الناحية الحيوية أمكننا أن نقرر أن الحب فن، وأن النجاح في هذا الفن يحتاج إلى تفكير وتدبير كالموسيقى والشعر والرياضة وغيرها من الفنون
ولا نريد بالحب هنا ما تكون علاقته بالجسد فحسب، فنحن هنا نقصد الحب على سائر ألوانه. فإذا كان بعيداً عن حدود العقل فمن الواجب النظر إليه على ضوء العقل والتفكير.