للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ص٦٥ من مباحث عربية)، وهو بهذا يخلع الجانب المعنوي على الجاهلية. وفي هذا التضارب والتناقض ما فيه مما لا يحتاج إلى بيان. . .

سادساً: يعتمد الدكتور بشر على رواية الأغاني: (أن عينية ابن مرداس كان معوزاً فقصد إلى عبد الله بن عباس يسترفده ويرغب إليه أن يعينه على مروءة. فردَّه ابن عباس لاتهامه إياه في مروءته) ليصل إلى أن المروءة كانت تجيء معنوية من العصر الإسلامي وحسية من الجاهلية؛ وهو يعلق على هذه النتيجة بقوله: (إن ابن عباس نظر إلى المروءة بعين المسلم فنزهها عن المادة وأنزلها منزلة الخلق الحسن. وابن مرداس نظر إليها بعين الجاهلي فرأى فيها إعانة له حتى لا يشتهي طعام غيره)

والرد أن الرواية لا تسعف الدكتور بشر بالنتيجة التي أراد أن يحصلها، لأنه لا يتحصل منها أن ابن عباس نظر إلى المروءة بعيني المسلم، وإنما الصحيح أن يقال إنه نظر إليها من طبيعته، كذلك لم ينظر إليها ابن مرداس بعين الجاهلي، وإنما الصحيح أنه نظر إليها من طبيعته، والفرق بين النظرتين، كالفرق بين الطبيعتين، وهذا الاختلاف في النظر راجع إلى اختلاف النفوس لا إلى اختلاف الزمان، ومن أمثال الذين ينظرون نظرة ابن مرداس للمروءة كثيرون في كل زمان ومكان!

سابعاً - مضى الدكتور بشر في بحثه، وكأنه يتعقب روايات مختلفة من أزمان مختلفة، وأعطى المروءة مفادات مختلفة، كل مفاد خاص بعصر، وانتهى ببحثه إلى أنها لم تنزل منزلة الفضيلة على جهة المماثلة إلا في العصور المتأخرة. والرأي الصحيح في الموضوع أن الروايات التي أتى بها الدكتور بشر فارس متسقة وكل منها تقع على لون خاص من مدلول المروءة، وهذا اللون مرتبط بالناحية الكيفية (صور) للفظة. وهي من هنا لا تأخذ دليلاً على التطور التاريخي. والأصل في البحث اللغوي لتاريخ لفظه أن يكون الباحث صاحب نظرة فلسفية تتغلغل في صفحات الماضي وتستمد من طبيعة الحالات القائمة في العصر صورة تقيمها في ذهنها يمحص على أساسها الباحث الروايات التي تعرض له ويكشف، عن مقدار تأثرها بحالات العصر، وهل هي راجعة لاختلاف النفوس والطبائع، أم إلى اختلاف الزمان، ذلك لا يتأتى إلا عن طريق النفوذ من مادة الرواية وهو الجسم المنظور إلى روحها وهو ما وراء المنظور

<<  <  ج:
ص:  >  >>