والرد عندنا أن الدكتور بشر ذكر في موضع آخر من كتابه أن المروءة تدرج مقرونة بالسؤدد من كتاب مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب. . . (رقم ٤٠٩ مخطوط ليدن ص٥٣٢ - ٥٣٤ ع٢٩٧ من الرسالة) والدكتور بشر يقول في تقدمة هذا المخطوط: (وفي المصدر الأول تعريفات وأقوال في المروءة على أنها لون من ألوان السيادة وشرط من أشراطها) الرسالة العدد ٢٩٧ ص٥٣٣. أما عن مجيء هذه الروايات من الجاهلية أو عدم مجيئها، فلا يؤثر على القضية في شيء، لأن جلها أتى من صدر الإسلام، والعربية لم تتغاير فلا معنى للاحتجاج بأنها ليست من الجاهلية. وإذن يبقى معنا لفظ المروءة نازعة منزع السيادة في الجاهلية وصدر الإسلام، بعكس ما حاول أن يوهم القارئ بطرق ملتوية الدكتور بشر في مباحثه العربية
رابعاً: ينكر الدكتور بشر فارس أن المروءة أفادت السيادة - وأكبر الظن عنده - أنها ضمت، أو ما ضمت محاسن خلق الإنسان، ثم - من طريق التجديد والمجاز - محاسن خلقه (وهو في رأيه هذا لا يذكر السبب الذي جعله يميل مع هذا الظن. فضلاً عن أنه لا يستند في ظنه هذا إلى أكثر من فصل مخطوط تحت رقم ٢٠٤٩ بأيا صوفيا، يشتق فيها المؤلف المجهول المروءة من مرء الطعام وامرأة، وإذا تخصص بالمريء لموافقته للطبع. فكأنها أسم الأخلاق والأفعال التي تقبلها النفوس السليمة، فعلى هذا يكون اسماً للأفعال المستحسنة كالإنسانية، وهذا الرأي من الكاتب أحد رأيين ثانيهما أنه يجعل المروءة من المرء فيجعلها اسماً للمحاسن التي يختص بها الرجل فيكون كالرجولية، ولست أدري ما الذي جعل الدكتور بشر يميل مع الرأي الأول؟! وليس في بحثه ما يرجع الرأي الذي أخذ به إلا قول بل أكبر الظن!)
خامساً: يرى الدكتور بشر أن الأقوال والروايات التي ورد فيها لفظة المروءة، فيها جانبان متضادان كلاهما معقود على الآخر: الأول حسي والآخر معنوي، وهذا غلاب على ذاك؛ وهو يذهب إلى:(أن الجانب الحسي ينحدر من زمن الجاهلية وأما الجانب المعنوي فمصدره الإسلام)(ص٦٣ من مباحث عربية) غير أنه لا يثبت على هذا الرأي سريعاً فلا يلبث أن ينقضه ويقول: (وكأن الحسي والمعنوي أخذا يتجاذبان المروءة أيام الجاهلية)