القارئ حتى لا يكشف كيف يميل بالواقعات ويديرها منحرفة عن حقيقتها بعض الشيء حتى يتحصل له من انحرافاتها النتيجة المقصودة. وقد سبقت الإشارة إلى بعض طرق الالتواء في بحثه، وإليك طرقاً أخرى:
(١) لو كانت المروءة واضحة المعنى ما عثرنا على تعريفات لها لا يكاد يقع بعضها على بعض، ولا أصبنا أقوالاً فيها ربما تنافرت بل تدافعت. وبهذه الجملة يلج البحث الدكتور بشر فارس. والذي عندي أن اختلاف التعريف إن جاء من عبارات يقصد بها بيان كيفية المروءة، فذلك لا يقع على بعض مدلول لفظة المروءة. بيان ذلك أن لفظة الرجولة لعهدنا هذا واضحة المعنى، ومدلولها ناهض على التمييز، ولكن كل إنسان حسب طبيعته وأخلاقه وسجاياه ونظرته يعطي اللفظة لوناً يقع على كيفيتها من جهة الصفات لا على مدلولها الذي يدل على المعنى. ومن المهم في تدبر المعنى الحقيقي للفظ ملاحظة هذه الاعتبارات. والآن على ضوء هذا الكلام لننظر في مبحث الدكتور بشر فارس
أولاً - يأخذ الدكتور بشر قول أبي الحاتم البستي:(اختلف الناس في كيفية المروءة)(روضة العقلاء ص٢٠٧) دليلاً على تضارب التعريفات والأقوال حول لفظة المروءة. والرواية تقصر عما يريد صاحبنا بشر أن يحملها، لأن كلام أبي الحاتم البستي يقع على الصفات لا على المعنى، والمعنى اختلاف الناس في كيفية المروءة لا في مدلولها
ثانياً: يستدل الدكتور بشر من سؤال معاوية: (ما تعدون المروءة؟) على أن معنى المروءة (أو مدلولها) أشكل على المسلمين. والاستدلال خطأ، لأن السؤال يقع على ما كان يعدونه، وعد الشيء مربوط بكيفيته (أو صفاته)، فالصوفي يعد المروءة مثلاً:(ترك الهوى والزهد في الدنيا وطاعة المولى)، ورجل الدنيا يعدها (كثرة المال والولد). فهذه الدلالات للفظة المروءة تقع على الكيفية منها لا المدلول
ثالثاً: نفى الدكتور بشر أن المروءة تفيد معنى السيادة قائلاً ما ملخصه: (إن الاستناد إلى مشتقات مادة (م رء) ولا سيما أسم الفاعل منها في الآرامية لإثبات إفادة المروءة للسيادة خطأ، لأن لفظة مرء عربياً وهي اللفظة الناظرة إلى اللفظ الآرامي إنما مفادها الإنسان. وهذا يدفع أن تكون المروءة أفادت السيادة أول الأمر) هذا وهو يدفع القول، بأن باب المروءة وقع كتاب السؤدد من عيون الأخبار لابن قتيبة، بأن المصدر المذكور لم يثبت