في يومهم أو اليوم الذي بعده، فلما نظروا طول أظفارهم وأشعارهم التبس عليهم الأمر وأعياهم علمه. فأخذوا فيما يهمهم، وبعثوا أحدهم إلى المدينة ليأتيهم بطعام على أن يتخفى ولا يشعر بهم أحدا لخوفهم أن يظهر رجال دقيانوس عليهم فيرجموهم أو يرغموهم على الشرك. فلما دخل المبعوث السوق وأخرج الدراهم وكانت مضروبة باسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك وكان نصرانيا موحداً، فقص عليه القصص. فقال بعضهم ان آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء. فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلموهم. ثم قالت فتية الكهف للملك نستودعك الله ورجعوا إلى مضاجعهم فماتوا. فدفنهم الملك في الكهف وبنى عليه بيعة. والأقوال مختلفة في عددهم فمنهم من قالوا ثلاثة رابعهم كلبهم، ومنهم من قالوا خمسة، ومن قالوا سبعة. ويروى أن أسماءهم يمليخا ومكشلينيا ومشينيا وهؤلاء أصحاب يمين الملك ومرنوش ودبرنوش، وشاذنوش أصحاب يساره، وكان يستشيرهم. والسابع الراعي الذي وافقهم واسم كلبه قطمير. واسم مدينتهم أفسوس وقيل طرسوس.
هذه هي المادة الأولية التي أتيحت للمؤلف فانظروا كيف صارت في يديه، وكيف نحت فيها هذه المجموعة من التماثيل الحية وأقام منها هذا الأثر القصصي.
لقد شاء له الفن أن يأخذ بقول الزاعمين أن فتية الكهف ثلاثة وآثر الاقتصار عليهم حتى لا يتوزع اهتمام القارئ أو الناظر، فيضعف التأثير وتقل المتعة فحسب الفن اثنان من مستشاري الملك والراعي. وارتأى أن تتقدم السن بأخذ هذين المستشارين ويكون الوزير الأول، أما الثاني فيكون فتى في ميعة الشباب وريعانه. ثم يشاء الفن القدير أن يجعل للوزير زوجة وولدا ً كان يخفي أمرهما، وأن يجعل للفتى حبيبة في الخفاء هي ابنة الملك ووحيدته. وقد اعتنق الرجل دينه الجديد حباً في زوجته المسيحية، كما أن حب سليلة الأباطرة للفتى المسيحي حبب اليها دينه. فإذا فأما من سباتهما وقد تفترت من طول الرقاد أوصالهما، كان لهما من العلائق القلبية ما يذكرانه فتنازعهما النفس إلى طلب الخروج من الكهف، ويختلفان فترى الفتى نزقاً كعادة العاشق المشوق، أما الزوج فحذر كظيم شأن رب الأسرة المسئول. ويشاء الفن أيضا أن تكون ابنة الملك في عصر انبعاثهم شبيهة كل الشبه بابنة دقيانوس حتى يطول وهم صاحبها وأما الراعي فلا تطول خديعته، فما هو إلا أن