افتقد غنمه فلم يجدها، ورأى أبناء هذا الجيل على غير عهده بهم سمتا ولهجة وزيا، حتى اتضحت له الحقيقة، وثقلت عليه الحياة فعاد زاهدا فيها إلى رقدة الكهف. ثم تبعه الوزير ثاكلا متفجعا باكيا وقد علم موت زوجته ومصرع ولده كهلا منذ دهر طويل في حومة الوغى وميدان الشرف. وأخيرا الفتى العاشق وقد تبددت أحلامه، وبدت لناظريه هوة الزمن السحيقة تفصله عن المرأة التي يحبها.
وهكذا دخل الفن على العبرة القصصية فخرج منها - كما يرى القراء - بآية فنية.
التحقيق التاريخي
لم يقصد المؤلف بروايته وجه التاريخ. ولا أظن به طمعا في أن يكون مؤرخاً. وهيهات أيضا لكاتب هذه السطور أن يدعي لنفسه هذه الدعوى العريضة. بيد أنه لما كانت القصة التي نحن بصددها لها صلة بالتاريخ، فلا مراء في أن الدراسة التاريخية هي على الأقل من مستلزماتها.
ولقد راجعت القليل من المراجع في التفسير، ومن معاني التاريخ الموضوعة في العربية، ثم انتقلت إلى غير الكتب العربية مما هو موضوع في تاريخ الإمبراطورية الرومانية ونشأة المسيحية بغض النظر عن مؤرخي الكنيسة ورجالها. فإذا مؤلف أهل الكهف لم يسلم من نقص في هذه الجهة وأخطاء قد لا يكون لها خطر في صميم الفكرة، بيد أنه كان من المستحسن على كل حال تداركها ولو تكلف قاصنا المسرحي اليسير من العناء في التحقيق التاريخي
فقد زعم أن العاهل دقيانوس هو صاحب عصر الشهداء أي ديوقلاسيانوس لتقارب النطق واحتمال التحريف في تعريب الاسماء الأعجمية عند العرب. والحقيقة أن دقيانوس هو ذوقيوس كما يلفظها البعض أو دسيوس عاهل الرومان الذي حكم من عام ٢٤٩ إلى عام ٢٥١ بعد الميلاد. وكان مع بسالته وحسن تدبيره شئون الملك شديداً على النصارى، فنقض ما كانوا فيه من أمان وسكينة، وأجمع العزيمة على سحق المسيحية. فكان شديد الكراهية للبطارقة وكان كل مؤمن في ملكه الواسع رهنا بالسجن والتعذيب، وقد شاع لعهده التفنن في التعذيب بالجوع والعطش. واشتد اضطهاداته في سنة ٢٥٠ ميلادية فلم تعد وقائع مفردة بل أمور عامة وتدابير منظمة. ولعل فتية القصة هربوا إلى الكهف في هذه السنة