للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فبأي حق يقال إن اللغة العربية لم ينبغ فيها كاتب غير ابن خلدون؟

إن ابن خلدون ممتاز في الترتيب والتبويب، وتلك هي الصفة التي يعنيها أحمد أمين، فأين هو من القلقشندي الذي بوب (صبح الأعشى) تبويباً معدوم النظير؟

وأين هو من السخاوي الذي صور القرن التاسع كأنك تراه؟

وأين هو من الحركات العقلية الممثلة في ذخائر التفكير العربي والإسلامي؟

الأدب، يا دكتور، له فنون تتجاوز ما أسلفنا من الفنون، فأين صاحبك من الكتاب الذين شغلوا أنفسهم بتشريح الدقائق النحوية والصرفية؟

إن سيبويه ألف (الكتاب) في القرن الثامن للميلاد، فهل تعرف أن الأقطار الأوربية كان فيها مؤلف يشرح أصول النحو والصرف كما صنع سيبويه في ذلك العهد؟

وهل يمكن أن يقال إن ابن خلدون كان في التشريحات السياسية والاجتماعية أعمق من سيبويه في التشريحات النحوية والصرفية؟

وهل يمكن القول بأن جوهر العقل عند سيبويه أقل قيمة من جوهر العقل عند ابن خلدون؟

إن الأستاذ أحمد أمين لا يرى غير ظواهر الأشياء، ولو كان عميق الفكر لعرف أن رجلاً مثل ابن هشام الأنصاري خليق بأن يوضع في أول صف من صفوف الباحثين الذين يجيدون تشريح المعاني، فهذا الرجل عرض مسائل النحو في صور مختلفات، وبذل في ذلك جهداً يشهد بأنه في غاية من سمو الفهم والعقل، وقد استطاع أن يجعل القاهرة في صف البصرة والكوفة وبغداد، ومجموعة المحاولات التي بذلها في تكييف المعضلات النحوية والصرفية أقوى من مجموعة المحاولات التي بذلها ابن خلدون في تكييف السياسة والاجتماع

إن فقهاء الشرع الإسلامي كان فيهم فحول من الوجهة الأدبية، ولكن أين من يدرك أن البويطي صاحب كتاب الأم كان من أقطاب البيان؟

أين من يصدق أن البويطي عرض الخلاف بين الشافعية والحنفية عرضاً هو الغاية في حسن التعبير، ودقة الوصف، وسداد الأداء؟

ومع ذلك نجد من يقول بأن اللغة العربية لا تعرف كاتباً غير ابن خلدون!

أما بعد فما الذي بقي لأحمد أمين وقد مزقنا أوهامه كل ممزق!

<<  <  ج:
ص:  >  >>