وأعماله. ثم تطورت هذه الروح في القرن العشرين حتى أصبح العلماء يفكرون في العلاقة بين العلوم الطبيعية والفنون الجميلة، ويتحدثون عن الجمال الذي تكشفه الدراسات إذا انصبت على ظواهر الطبيعة، ويتكلمون عن أثر هذا (الجمال) في نفس العالم وتشجيعه على مواصلة البحث، وإن لم ينكر هؤلاء العلماء ما يترتب على دراساتهم من نفع إنساني لم يقصدوا إليه، ولم يتجهوا إلى تحقيقه. تلك أحدث وجهات النظر في فهم العلم الطبيعي وتجديد غاياته فيما نعلم
٢ - تبعات العلم في الحرب والسلم
تحرر العلم من تبعة الويلات التي قد تترتب على بعض مبتكراته ومخترعاته، وإن لم ينج من النقد الحر الذي ترتفع به صيحات الناس إبان الحروب وبعد أن تخمد نارها، فإن الحرب إذا اندلع لهيبها قصر العلم غايته على تقديم الوقود لها، وخص بلاده بكل جهوده، وتحول العلماء بين جدران معاملهم إلى جنود بواسل، يبذلون الجهد صادقين في إنقاذ الوطن، أو يفرغون الوسع جاهدين لتحطيم أعدائه، ولهذا انصبت اللعنات على العلم دون حساب، وأحس أهله - في فترة مضت - بحرج مركزهم؛ فأخذوا يلتمسون لأنفسهم الأعذار. وتذرع المجمع البريطاني بحجة أعلنها سنة ١٨٩٩، ثم كرر إعلانها سنة ١٩٢٥ فقال: إن الجندي يسعى لحفظ حياة الأفراد، أما العالم فإنه يجاهد لحفظ حياة النوع بالعمل على إيقاف الحرب بما يخترع من آلات التخريب وأدوات التدمير، والظفر في الحرب يكسب السلم الذي يصون الحرية الفكرية ويستأصل الشر الذي يجور على محبة الأمم ويبشر بالحق والمحبة في بقاع الأرض طراً. . .! وهذا العذر يكاد لا يفترق عن الحجة التي تذرع بها نابليون يوم طمع في إخضاع العالم وتوحيد حكمه. وقد ردد الحلفاء صداها في الحرب الماضية، وتثار اليوم في الحرب الراهنة التي ترمي إلى القضاء على الهتلرية التي أنهكت أعصاب العالم وهدت قواه، بما تظهره من امتهان الوعود والحنث بالعهود. فكأن رجال العلم حين التمسوا لأنفسهم الأعذار عن تسخير علمهم لغرض قومي عملي، قد تحولوا إلى رجال سياسة! وقد كان في وسعهم أن يقولوا إن الحروب إذا اندلع لهيبها، انقلبت الأوضاع واضطربت الغايات، وأصبح من واجب العلم أن يلبي نداء الأوطان. إن المواطن في أعرق البلاد نزوعاً للحرية والديمقراطية، يكاد أن يستحيل آلة في يد الوطن