القرآن من آيات تذكر وجود أشياء حسية في الجنة، مع أنه كان يجب على أستاذنا الدكتور أن يرى أن أقل ما يمكن تصوره في عالم سيخلو من البؤس والفقر والهرم، ولن تهيئ طبيعته المجال لظهور الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة وما يدخل تحت كل منها من فضائل إنسانية، أن ينعم الناس فيه بالاتحاد والمحبة فتتاح لهم أنواع المحبة من إلهية وصداقة أخوية، وفهم نزوع الأشياء المادية التي ستوجد هناك إلى التمتع بفكرتها الروحية، فما وجد من جميل صور من حور وولدان، نزع به إلى فكرة تقديس خالق هذه الصور، وما وجد من قصور وأنهار وفاكهة نزع به إلى النشوة الروحية من وجود هذه الأشياء، وأن ليس معنى هذا خلو الجنة من استلذاذ بالحور العين الاستلذاذ الحسي أو بما هنالك من مأكول ومشروب وحلي وحلل، وبذا نضع الفكرة الروحية في درجتها العلوية ونجعل الحسيات في درجتها الثانوية، بل ونسمو بها إلى فهمها الفهم القريب من الروح. ونحن بذلك نسمو باللذة الممكن تصورها في الجنة من غير نكران لحسيتها بجعلنا الحسي تابعاً للروحي إذ أكثر جزئياته روحية. ولو تدبر الدكتور قوله تعالى في سورة السجدة:(فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) وقول النبي (ص) في حديث قدسي عن ربه تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) لوصل إلى أن المذكور في القرآن في سورتي الرحمن والواقعة وغيرهما وفي الأحاديث الصحيحة لا يفيد أن المذكور مذكور على سبيل الحصر بل على سبيل التمثيل لما سيوجد، ولعرف أنا وقد استبعدنا الأخذ بالنظرية التصويرية لمخالفتها لكثير من النصوص وما تحتمله قرائنها مثل الطمث للحور، لا نجد أمامنا إلا أحد أمرين: إما أن نأخذ بالنظرية الحسية أي بتغليب اللذات الحسية على الروحية، أو أن نأخذ بالنظرية الروحية التي تغلب اللذة الروحية على الحسية فلو أخذنا بحسيتها تغليباً، لنزلنا بها ولشبهناها بلذة الدنيا المتواضعة فأخرجناها من سموها الذي يجب أن تكون فيه لتتلاءم مع نفوس أصحابها، ولذا لم يكن بد من أن نأخذ بروحية اللذة تغليباً. وعلى ذلك فذكر القرآن الكريم الأشياء المادية حتى على فرض الأخذ بالنظرية الحسية إطلاقاً لا يفيد أن القرآن أدب معدة وهو مملوء بما يفيد أن الجنة جزاء من عمل صالحاً وجزاء من اتقى. وليتل دكتورنا إذا شاء قول الله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في