أحدث ثورة في علوم الطب وبدأ عهداً جديداً في حفظ الطعام بطريقة علمية مجدية، وهذه الطريقة كان إيبرت هو المبشر بها
ولعله ليس في تاريخ الإنسانية يوم أعظم من اليوم الذي بيَّن فيه باستور أن التغيرات التي تطرأ على المواد الغذائية عند تعريضها للهواء إنما هي نتيجة لعمل أحياء بكتيرية صغيرة، فإذا ما أزيلت هذه الأحياء بواسطة الحرارة وأزيل الهواء في الوقت نفسه فإن الطعام لا يفسد إلا عندما يتعرض للهواء مرة أخرى فيتعرض لهذه الأحياء. وقد نال باستور جائزة على استكشافه هذا في فرنسا سنة ١٨٦٠ - على أننا لم نبدأ إلا الآن فقط في فهم ضخامة التغير الذي أحدثه استكشاف باستور في المعارف الإنسانية وفي أساليب الحياة بتطهير اللبن وبتعقيم الأدوات الجراحية. ومن الممتع أن نلاحظ أن الأرجح أن ينشأ في وقت واحد اختراعان يساعد أحدهما على نجاح الآخر، ففي الوقت الذي كان فيه إيبرت جاداً في صنع الأواني من الزجاج والفخار كان في إنكلترا ميكانيكي أسمه بطرس دوراند يصنع أول ما عرف من علب الصفيح، وقد عرض علبته الأولى في سنة ١٨٠٧ وكانت عملاً غير متقن فهي ثقيلة الوزن مصنوعة باليد، وكان لها غطاء ضخم قبيح الشكل ولكنها كانت على كل حال علبة من الصفيح
واحتكر رجل إنكليزي طريقة إيبرت بعد عام من ظهورها في فرنسا. وأنشئ أول مصنع لتخزين الأطعمة في العلب بإنكلترا وكانت شركة أمريكية هي التي تقوم بهذا العمل، وربما كانت الحكمة في اختيار إنكلترا لهذه الصناعة هي نشوء صناعة الصفيح فيها، وسرعان ما انتقلت الصناعتان إلى الولايات المتحدة
وفي سنة ١٨٩١ أنشأ إزرا داجوت وتوماس كنست في نيويورك صناعة لحفظ سمك السلمون وبرغوث البحر والكابوريا في علب الصفيح، وكلا الرجلين متعلم في إنكلترا
وفي العام التالي أنشأ رجلان آخران هما أندر وود تيشل في بوستون صناعة حفظ الفواكه في العلب الصفيح وقد استعملا في إعلاناتهما كلمة هي التي اشتقت منها الكلمة الإنكليزية (علبة) وأصبحت صناعة العلب من الصناعات الكبرى في الولايات المتحدة
وليس ثناؤنا على اختراع العلب الصفيح من أجل أهمية هذه الصناعة من الوجهة التجارية وإن كانت العلبة ومحتوياتها جديرين بوضعهما في قائمة الاستكشافات الهامة، بل لأن