يخزن الرسالة أن تنقل إلى قرائها خبر وفاة المستشرق أ. ي. فنسنك توفاه الله منذ أسابيع بعد رحلة ساقته إلى مصر، فأقام بها نحو شهر اجتمع فيه بكبار علمائنا وكتابنا، حتى إذا قفل إلى (ليدن) في هولندا تخوَّنته حمى خبيثة ثم واظبت فقلبت عليه حتى كان قضاء الله
المستشرق فنسنك علم من أعلام الاستشراق. وكان أستاذ اللغات السامية في جامعة ليدن، وتوفر على دراسة أصول الدين الإسلامي فألف كتاباً نفيساً عنوانه (العقيدة الإسلامية) وأردفه بمقال نشره سنة ١٩٣٦ في مجلة تخرج في أمستردام، عنوانه:(الأدلة على وجود الله في أصول الدين الإسلامي) وتجد وصف هذا المقال في (مجلة الدراسات الإسلامية) باريس ١٩٣٥ ج٤ ص٢٣٦. وكان فنسنك إلى جانب التعليم والتأليف، يدير دائرة المعارف الإسلامية الخارجة في ليدن: يوزع العمل ويراجع المقالات ويخرج الدائرة. وكان يعينه على هذا سعة اطلاعه على مسائل الإسلام وشؤون العرب ثم تضلعه من لغته الهولندية فالفرنسية والإنجليزية والألمانية فضلاً عن اللغات القديمة من ساميَّة وغير ساميَّة
بقي أن فضل فنسنك كان من وراء جمعه لأحاديث الرسول. كان فنسنك رحمه الله الجماع المجتهد للحديث الصحيح، وضع أول ما وضع (مفتاح كنوز السنة) الذي نقله الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي إلى العربية سنة ١٩٣٣، ولم يكن ذاك الكتاب سوى مدخل إلى سِفر أغزر مادة وأعم نفعاً. وقد أخذ السفر يخرج للناس منذ سنة ١٩٣٤، وهو معجم تفصيلي لمفردات الأحاديث المدونة في الكتب الستة ومسند الدارمي وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل، واسمه في العربية (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي). وظلَّ السفر الجليل يخرج للعلماء وهم به فرحون، حتى جاء يوم قلَّ فيه المال، فسعى فنسنك في تدارك الفشل. والذي نعلمه أن مسعاه في مصر خاب! والسَّفر لم يتم خروجه وإن كانت الجزازات كلها مهيأة للطبع (خرج ١١ جزءاً)
إن فنسنك خدم الإسلام والعربية بكتابيه الخدمة التي لا يقدر قدرها، وحسبه شهادة السيد محمد رشيد رضا في الكتاب الأول قال: فلو كان بيدي هو (يعني الكتاب) أو مثله من أول عهدي بالاشتغال بكتب السنة لوفر عليَّ ثلاثة أرباع عمري الذي صرفته فيها. . .)