كان صباح اليوم العيد موعد (المقابلة الملكية) فعبرنا النهر في رهط من أطباء المؤتمر، ووقفنا بالضفة الأخرى نتحسس الآثار الهوالك، فلم نجد أمامتا غير الحقول الزمردية تكسو السهل، والجبال الوردية تسد الأفق. وكانت هذه الضفة الخلاء في دهرها الغابر حيا من أحياء طيبة يسكنه محنطو الجثث وصناع المومياء، فما كان يومئذ يموت انسان أو ينفق حيوان الا أتوابه هذا الحي فيمضي فيه أهله (عملية) الخلود!!
انطلقت بنا السيارات بين الزروع الخضر أرتالا يسفى بعضها الغبار في وجوه بعض، فمررنا بالقرنة وقد خرج أهلها في زينتهم يعيدون فوق المقبرة! وأكبر الظن أنهم بقايا ذلك الحي البائد، فهم يسكنون الجحور كبنات آوى، وينبشون القبور كلصوص الموتى. وينحتون التماثيل كصانعي الآلهة، ويخدعون بالتمائم كدهاة الكنهة!
وقفت بنا الحقول فجأة، ثم أسلتنا الى قفز من الأرض بعضه مرمل وبعضه مترب، فسرنا فيه بين أعلام من الحجارة المنضودة، حتى دفعنا الى شعب في الجبل تكثر على جانبيه الغيران الموحشة والفجوات العميقة، فنحسبها بادئ ذي بدء من أثر الوحوش الحافرة، ولكنك تدرك بعد هنيهة أنها من أثر الانسان الذي نكبت به هذه الأرض منذ أربعة آلاف سنة فلم يرفع معموله عنها الى اليوم!!
شقها فدفن بها الملوك! ثم شقها فسلب فيها الملوك! ثم هو يشقها اليوم دائبا ليخرج منها الملوك!
أخذت طراءة النسيم تتخلف عنا رويداً رويداً حتى انقطعت، وهب يناوحنا من فجاج الوادي الملكي جو ثقيل كجو مايو، وأصبحت سلسلة الجبال فوقنا بعد ان كانت أمامنا، ثم انعطفت الطريق الصاعبد بغتة فاذا السيارة أمام باب من الخشب، وبواب من الناس، وقائل يقول: هنا جبل الخلود وحرم الملوك ومثوى توت عنخ آمون!!
الجبل من أعلاه إلى أسفله قطعة واحدة من الحجر الجيري الصلد لا تجد فيه صدعا ولا فرجة! نقرت يد الانساان القديم في أصله فتحة مربعة دخل منها الدليل ودخلناها على أثره، فاذا سلم حادر يهبط بك قليلاً أو كثيراً الى بئر عميقة تضلل اللصوص: ثم يعود فيهبط الى قاعة فسيحة تجمع أشتات المتاع، ثم يعود فيهبط الى حجرة تضم جثمان الملك! وسقوف الحجر محلاة بصور من جماعات الكواكب، وجدران الانفاق مغشاة بسور من كتاب