للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى أهل الفن الإمامة في هذا السعي فهم الموهوبون فضلاً من روح الله، وعليهم زكاة الروح كما أدى غني زكاة المال. وليقرئوا معنا من آيات القرآن قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فهذه أمام العيون حقيقة من حقائق الإسلام التي تحتمل الأكوان، وتنهض بالأقدار. وقد تكون عند من يسمعها ويتفهمها أمراً بديهياً تراه كل عين، ويحسه كل قلب، ويعيه كل عقل حتى لكأنها تشبه قولنا: (إننا بشر) و (الملح يذوب في الماء) و (النار تبعث الحرارة) فكل هذه حقائق ليست في حاجة إلى الترديد لأنها معلومة متفق عليها لا ينكرها ولا يجحدها عقل إنسان. ولكن هذا لا يعيبها طبعاً، فهكذا طبع الخلود والدوام في الحق: قد يجهله، وقد نظل أطول العمر نجهله فإذا عرفناه قلنا: (هذا صحيح) ولم نقل أكثر منها، ثم تعجبنا له أو لم نتعجب، ثم أطلقناه بعد ذلك في أنفسنا يغيب في آفاقها حيثما شاء لا نراقبه ولا نتقصى أثره لأننا مطمئنون إليه بما جبلنا عليه من حبه، ولإيماننا الفطري بأنه مهما غاب في أنفسنا؛ فإنه منجدنا عندما نستنجده، وبأنه مجيرنا وقتما نحتاج إليه ونطلبه وأنه يأبى أن يخذلنا فهو الحق، والحق هو الله، والله قريب يلبي دعوة الداعي إذا دعاه. . . ولكننا لا ندعو من الحق إلا قليلاً، ندعوه بعد نكران أو نسيان، وأغلب ما ندعوه في حاجات الأبدان، ليتنا نذكره في غيرها وندعوه، فتصبح لنا إلى جانب هذه الحضارة التي أقامها العالم بالأسمنت و (الزلط) حضارة أخرى نقيمها نحن بالحب والرحمة. . .

فما لنا لا ندعوه؟!.

سبيلنا واضح وهو الإسلام. وهداتنا إليه الفنانون قبل العلماء، فهم الذين يناجون شعورنا وهو أول علامات الحياة فينا، وإنهم يقولون إن طلبهم التحرر، وإنهم لا يطيقون القيود، وإنهم يحبون أن ينطلقوا في الحياة كل منهم وراء فكرة، وإنهم يبذلون أنفسهم للناس فيحترقون ويضيئون لغيرهم الطريق، وإن مأربهم في الدنيا تحية وسلام. فهل هناك حياة تحقق هذا كله في أروع الصور إلا حياة الإسلام؟ فعليهم أن يباشروها، فهي التي تبعث الفن، أسمى الفن، وتقود إلى الهدى، أصوب الهدى وتنشر بين الناس أطيب ما تمنته الإنسانية من اسعد الأحلام. . .

وهم أقدر الناس على هذا ما دام المفروض فيهم هو أنهم أشد الناس إحساساً، وأسرعهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>