للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إدراكاً لحقائق الحياة القريبة من الفطرة، أو التي هي الفطرة نفسها، والتي غيبتها عن إدراك الجماهير هذه الستار أسدلتها الصناعة على الطبيعة، وهذه الوسائل أراد بها الناس أن يأخذوا من الأرض أكثر مما تحمل طاقتهم فرزحوا تحت أعباء ما حملوا، وثقلت عليهم أعباؤهم فشغلتهم عما كان جديراً بهم أن يلمسوه، وأن يحسوه، وأن يعقلوه، من شئون أنفسهم ومن شئون هذه الخلائق التي تحيط بهم، وما يربط هذه الموجودات جميعاً من نظام لا يختل، ولا يعتل

جماهير الناس لم تعد آذانهم تسمع أصوات قلوبهم وأفئدتهم فقد طغى على هذه الهمسات الناعمة قصف المدافع، وضوضاء البورصات، وصفير القطر، وأزيز الطيارات. . .

جماهير الناس لم تعد أعينهم ترى ما في أحضانهم من نفوس أزواجهم وأولادهم، فقد غاب كل مرئي في هذه الحضارة بين سحائب الدخان الكثيف الذي تنفخه المصانع فتسمم به الهواء وتسودّه ظلاماً

جماهير الناس لم تعد تملك أن تقف وقفة المتريث المتعرف المتأمل عند أي ظاهرة من ظواهر الجمال أو ظواهر القبح، فالناس اليوم متسرعون متعجلون، يجرون ويطيرون ويقفزون على وجه الأرض كما يرقص الشيطان. . يمرون بآلاف من شواهد الحق والحكمة، ولكنهم لا يلمحونها إلا كما يلمح العقاب من فوق السحاب دبة النملة تحت التراب. . .

فأي شيء يراه هؤلاء؟ وأي شيء يسمعون؟ وأي شيء يعون؟

إنهم أشقى القرون وأباس الأجيال!. . .

وليت للمسلمين في هذه السوق ما لغيرهم من ربح المادة، فقد يكون في المادة عزاء. . . بل حاشا أن يكون فيها إلا عزاء السكرة. . . وهم حتى في هذا متراجعون متأخرون رانت عليهم قناعة النائمين، فلا هم كسبوا الدنيا ولا هم ربحوا الدين. . . فمن منقذهم من هذا غير الفن يلتهب في بعض النفوس بوهج من حر الإسلام، يشعله الإيمان، وتزكيه الرعاية، ويحفظه الإصرار على إرضاء الله. . .

وإن فينا فنانين تعرفهم جماهيرنا. . . ولكنهم مشغولون بما يقرئون من كتب الغرب التي أوحتها حضارة المادة الملفقة، عن آيات الخلد المبسوطة للعيون في القرآن. . . وحتى هم

<<  <  ج:
ص:  >  >>