هذه الشعوب إذا استقرت بعد هياج فلن تكون، إذا سلط عليها الظلم، إلا كالبحر يعظم جيشانه وفورانه بقدر ما كان من تطامنه وثباته
وهبطت من وراء الألب على إيطاليا أنباء الثورة الجديدة في فرنسا والتمعت بوارق الأمل للأحرار، وتأهب رجال الكاربوناري، وقد حسبوا أن قد جاء اليوم الموعود، ونشط مازيني وخلانه يذيعون مبادئ الجماعة ويهيبون بالشباب أن ينتظروا أول صيحة
ولكن الحكومة ما لبثت أن ألقت القبض عليه، فلقد بثت من قبل عيونها بين صفوف هذه الجماعة واتهم مازيني بأنه كان يغري أحدهم بالانضمام إليها. وألقى بالشاب المجاهد في غيابة السجن في سافو وهو يومئذ في الخامسة والعشرين، فكان هذا أول ما لحقه من الآلام في حياته التي سوف تكون مليئة بالآلام
وسيق إلى المحاكمة فمالت إلى تبرئته لعدم توافر الأدلة ولأنه لم يقم إلا شاهد واحد عليه؛ ولكن السلطة خيرته بين الاعتقال في إحدى القرى أو النفي إلى خارج إيطاليا؛ فاختار النفي، وعبر جبال الألب إلى فرنسا، وكان يريد الذهاب إلى باريس حيث يخدم مبادئ الجماعة هناك، ولكنه تحول إلى ليون حيث انضم إلى المنفيين هناك من الإيطاليين وشاطرهم مرارة الاغتراب