للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليست الحروب جديدة في التاريخ العربي، ولا شعر الحماسة جديداً في لغتنا الفاتحة الظافرة فكونوا مجتهدين ولكم إمام، أو كونوا مبتكرين على شريطة الصدق في الإلهام؟

إن للجنود أناشيد في كل اللغات ولكن أناشيدهم حافلة بالحنين وبالشوق وبالتمدح بالأهل والوطن وبالغزل الرقيق، فهذا هو الشعر الذي يثقف الجنود ثقافة عسكرية. أما الألفاظ الدامية فلا يهديها الشعراء إلى الجنود كما لا يهدي النمر إلى هجر كما جاء في المثل.

(يا شباب النيل يا عماد الجيل)

مطلع جميل! ولكن ماذا يقال لشباب النيل وعماد الجليل؟

يقال إن أجمل امرأة لأقوى فارس. هكذا قيل في الشعر الحماسي وهكذا ينبغي أن يقال. أما كونوا الفداء، وأريقوا الدماء، ولا تهنوا في الدفاع عن اللواء، فهذا ما يعلمه شباب الجيل للشعراء لا ما يتعلمونه من الشعراء، وقد يكون الشعراء من عماد الجيل ومن شباب النيل ولكنهم عند ذلك لا يقولون بل يفعلون

وبعد فقد كان للنبي (ص) شعراء وكانوا يضعون الشعر الحماسي لفاتحي الفتوح وغالبي الغالبين وقاهري القاهرين فماذا قال شعراء النبي؟ قال حسان:

إن كنت فاعلة الذي أوعدتني ... فنجوت منجى الحرث بن هشام

ترك الأحبة لا يدافع عنهم ... ونجا برأس طمرَّة ولجام

فبهذه السخرية ظفر بفارس قائد فأحرجه فعاد إلى الجيش فاستشهد في الموقعة التالية

بهذه السخرية لا بالألفاظ الجوفاء حمل القائد الذي كان قد فر إلى أن يعود للرسول فيقول:

الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد

وعلمت أني إن أقاتل مفرداً ... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

ففررت منهم والأحبة فيهمو ... طمعاً لهم بعقاب يوم مرصد

ولو أن حساناً قال يا شباب النيل يا عماد الجيل لتغير وجه التاريخ!

يا أساتذتي الشعراء، لا أستخف بالأناشيد التي تذاع إلا لأني أثق باستطاعتكم وضع أناشيد جدية لو اطلعتم على الأناشيد الحماسية في اللغات الأخرى أو رجعتم إلى الشعر الحماسي في لغتكم أو رجعتم إلى خيالكم الصادق ولباقتكم فعرفتم كيف ينبغي أن يقال للجندي وكيف ينبغي أن يقول الجندي، وماذا يخطر بباله وبماذا يشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>