يفقد الولد أمه وخطيبته في آن واحد: فلا هو أصاب حب أمه ولا هو أصاب حب المرأة)
هذا هو ملخص رواية (الأبناء والمحبون) كما كتبه لورنس بخط يده. والكتاب عبارة عن صورة دقيقة لحياة المناجم والمنجمين، وصورة أخرى لتلك المرأة التي وقفت ثقافتها ونبل أصلها حجر عثرة في سبيل الحياة الزوجية الصحيحة. ومن الصفحات الأولى للرواية نستطيع أن نحكم لأول وهلة أن هذه الزوجة هي على النقيض من زوجها في كل شيء، فهي امرأة مفكرة يروق لها البحث في الموضوعات المختلفة، ولها ولع شديد بالمناقشات والمجادلات وخاصة في المسائل الدينية والفلسفية والسياسية، وهذا أول سهم من سهام النقد التي يوجهها لورنس إلى المرأة الحديثة، فالمرأة في نظره لا يجب أن تعيش بعقلها بل بعواطفها وجسمها، أما التفكير فهذا من شأن الرجل وحده. فاهتمام المرأة يجب أن يركز إلى أسفل، وأما الرجل فهو الذي يوجه اهتمامه إلى أعلى، إلى الفكر. فالأم في هذه الرواية هي صورة مشوهة لامرأة أو هي صورة امرأة قد جردت من صفات أنوثتها واستعاضت عنها بصفات هي من شأن الرجل وحده، ولم يكفها ذلك بل عمدت إلى زوجها تحاول تغييره وخلقه من جديد خلقاً يتفق مع ما هي عليه من الشذوذ. لم ترضها رجولته ولم تعجبها حيوانيته، فأرادت أن تصقل من طبعه وتهذب من حواشيه وتحد من حيوانيته وتنتقص رجولته، فهدمت كيانه وهدمت نفسها معه، وبذلك لم يعد لها في الحياة مطمع ولا في العيش مأرب، اللهم إلا أن تعيش وتفني شبابها من أجل أطفالها، ولكنها لم تكن لتستسلم أو تقهر فبعد أن تكسرت آمالها، وتحطمت أمانيها، وانهارت خيالاتها تجولت إلى أول أطفالها بقلب يفيض حباً وعاطفة، وحملته بين ذراعيها، وتفرست في عينيه الزرقاوين الواسعتين، فشعرت بقلبها يكاد يقفز من بين جنبيها حباً وغراماً بطفلها، ثم أحست بذلك الرباط الذي كان يربطها بزوجها قد تمزق وانقطع، وأحست أن حبها لزوجها قد اندثر ولم يعد له أثر، وحل محله حب عميق فياض هو حبها لطفلها فقربته منها وضمته إلى صدرها وأخذته بين أحضانها
هذا هو شعورها بعد أن ولد أول طفل لها، فما كاد ثالث طفل يرى نور الحياة لأول مرة حتى كان زوجها في عالم النسيان. لم تعد تشعر قط بتلك الرغبة الغريزية التي كانت تدفعها سابقاً للاتصال بزوجها، لم تعد تحس بأن زوجها جزء متمم لها لا غنى عنه، لم يعد يهمها