على نهج الكاربوناري، وعليها أن تنتهج نهجاً جديداً يكون فيه صلاحها وفوزها
ولقد كانت حالة إيطاليا يومئذ تبعث على الأسى، فلم تكن أكثر من اسم جغرافي على حد تعبير مترنيخ، ففيها ولايات الشمال والوسط والجنوب، وفيها ولايات البابا؛ وفوق ذلك كانت ولاية لمبارديا خاضعة لحكم النمسا المباشر، على أن سلطان النمسا كان متغلغلاً في شبه الجزيرة جميعاً.
وكانت هذه الوحدات مستقلة بعضها عن بعض، حتى لقد وضعت حدوداً جمركية فيما بينها، فلم يك ثمة ما يشعر أهل إيطاليا بأنهم شعب، اللهم إلا شعورهم جميعاً بوطأة الحكم النمسوي الذي كان قوامه الرجعية الشديدة في شتى مظاهرها البغيضة من خنق للحريات جميعاً، إلى إهمال شائن للشؤون العمرانية والاقتصادية، وللتعليم والثقافة العامة، لأن هذه جميعاً كانت عند مترنيخ وأعوانه عناصر القوة التي لا يأمن معها أن تبعث الثورات من جديد في كل مكان.
وفكر مازيني في حال إيطاليا فرأى الظلام الكثيف يخيم عليها وهذا الظلام لا ريب مدعاة إلى اليأس والخوف، ولكن في قلوب غير قلبه؛ أما هو فقد كان يتلمس النور الباهر الذي لا يلبث أن يكتسح هاتيك الظلمات كلها - في شيئين: الإيمان والشباب، ومن هنا برزت إلى الوجود جمعيته الجديدة (إيطاليا الفتاة) أو قل بدأت رسالته إلى الجيل الجديد: رسالة الوحدة والحياة الحرة. . .
وتغلغل الإيمان في قلبه الكبير وأحس ما يحسه كل صاحب دعوة من حرارة ذلك السر الهائل الذي لا يعرف مستحيلاً أو يحفل برهبة، ورفع الفتى مشعله فوق رأسه ووضع روحه فوق كفه، ومشى يبدد ظلام اليأس وعلى محياه الأبلج نور الوطنية وصرامة الجهاد، وفي عينيه الباسمتين أشعة اليقين وبريق الأمل.
ولخص مازيني دعوته في كلمتين: الله والشعب، وراح يبشر بدينه الجديد في غير مبالاة بما يعترضه من الصعاب. ولقد جعل أساس كفاحه التضحية، فدعا حواريه وأنصاره إلى أن يتألموا حتى تمحص نفوسهم الآلام، وتقوى عزائمهم المحن، وتعلي مبادئهم ما يلاقونه في سبيلها من أنواع العذاب.
وعول على أن يبث النور في كل قلب، ويحيي بالحماسة كل نفس، ويجري أناشيد الوطنية