العذبة على كل لسان، حتى يتألف من الشعب كله قوة تهزأ بكل قوة، وتطفئ بالدم الغالي بريق الحديد ولهيب النار. وعنده أن كل حركة شعبية مصيرها إلى الفشل ما لم تقم على أساس من الوطنية الصحيحة المنبعثة من الأعماق، تلك الوطنية التي تحتقر أعراض الدنيا، لأنها متصلة بالسماء، والتي تضحي بالنفس في سبيل العقيدة، لأن قوام العقيدة الفداء.
وكان هو أكثر الناس إيماناً بوحدة إيطاليا، يوقن أن سوف يأتي اليوم الذي تتم فيه رسالته على يده هو أو على يد غيره من الأحرار. ولقد اتخذ من الشباب جنده وأعوانه، لأن قلوب الشباب بطهارتها وحرارتها أجدر بالإيمان وأسرع إلى البذل وأقوى على العذاب. قال في ذلك:(اجعلوا الشباب على رأس الجماهير الثائرة، فإنكم لا تعلمون مدى القوة الكامنة في تلك الأيدي الصغيرة، ولا مدى التأثير السحري الذي يكون لأصوات الشباب بين الجموع، ولسوف تجدون في الشباب رسل الدين الجديد). وعظمت ثقته بتلك القلوب الفتية حتى أنه كان لا يقبل عضواً في الجمعية من تزيد سنه على الأربعين، إلا في ظروف استثنائية حينما كان يتقدم إليه ذو منزلة، أو ذو سن كبيرة وقلب فتي.
ولئن تشبعت قلوب الشبان بمبادئ الوطنية والتضحية فسوف تتسرب منهم إلى سواهم؛ ولكن كثيراً من الصناع والتجار والفلاحين لن يشايعوهم إلا إذا كان إلى جانب الوطنية إصلاح يتناول شؤونهم؛ وعلى ذلك فقد جعل مازيني من مبادئ جماعته الإصلاح الاجتماعي في أوسع نطاقه وبذلك زاد مبادئها قوة ورسوخاً.
وكان يرى مازيني أن الحرب (هي القانون الأبدي بين السيدويين العبد الذي يريد أن يحطم الأغلال)، ولكنه كان يشير إلى الحرب غير النظامية لأنها الوسيلة الطبيعية للشعب الثائر في وجه القوة المنظمة، فما لمثل هذا الشعب الذي يعتمد على نفسه سبيل إلى الجيوش النظامية التي تكون بالضرورة من صنع الحكومات.
واستقر الغريب المنفي في مرسيليا يعمل في غربته من أجل وطنه، ويخرج إلى الوجود ما امتلأ به رأسه من الأفكار، وأحاط به أول الأمر خمسة من الشباب، أخرجوا مثله من وطنهم فصاروا حواريه في رسالته.
وما نجد في تاريخ الحركات الشعبية حركة بدأت على مثل هذه الصورة التي بدأت بها حركة (إيطاليا الفتاة)، فهؤلاء الخمسة الميامين، هؤلاء السابقون الأولون، وعلى رأسهم