وتحدثوا إليهم؛ وزوروا المصانع والصناع الذي أهملوا حتى اليوم. حدثوا هؤلاء عن حقوقهم وعن ذكريات ماضيهم وتقاليدهم ومفاخرهم السالفة وتجاربهم التي مرت، وعددوا لهم ما لا ينفد من أنواع الاضطهاد التي يجهلونها لأنهم لم يجدوا من يكشفها لهم).
بهذه الطريقة راح مازيني يرسل صوته إلى الأعماق ويملأ به الآفاق؛ ولقد تخرج معظم ذوي الشأن في المستقبل من رجال إيطاليا في جمعيته، فكان له بذلك شرف لن يتاح إلا لأفذاذ العظماء: شرف الخلق والتكوين، فما كانت إيطاليا الحديثة إلا من صنع يده. وإن تمت وحدتها على أيدٍ غيرها. وبذلك يعد مازيني من مكوني أوربا الحديثة، وهي منزلة لن يشاركه فيه إلا أمثال بسمارك ومن على شاكلتهما ممن تقرن أشخاصهم بحركات عامة توجه التاريخ وجهته في فترة من فتراته.
وكان ممن كاتبهم مازيني ليعاونوه: شارل ألبرت ملك ولاية بيدمنت؛ وكان ذلك بعد خروجه من إيطاليا ببضعة أشهر، وقد كان يعلم عن شارل بالأمس أنه من ذوي الآراء الحرة، إذ كان متصلاً بالكاربوناري وكان يعطف على ثورتهم التي هبت سنة ١٨٢١؛ ولكن مازيني كان مسرفاً في حسن ظنه به. وكيف كان يرجو المساعدة من ملك يتناول تاجه في الواقع من النمسا؟ ولئن كان شارل بالأمس نصير الحرية، فهو اليوم على عرشه يبغضها ويحذر منها، فلقد تجر إلى الثورة دعوة الداعين إليها، وما له حيلة إلى إجابتهم، والنمسا تلوح للبلاد بسيف الغلب. قال مازيني في خطابه (هناك يا مولاي طريق آخر إلى القوة والخلود العظيم، وحليف آخر أقوى وأسلم من النمسا أو فرنسا، وتاج أكثر لمعاناً وبهجة من تاج بيدمنت، تاج ينتظر الرجل الذي يجرؤ على أن يفكر فيه والذي يوجه حياته للحصول عليه. . . ألم تلق يا مولاي قط مثل لمحة النسر على إيطاليا هذه، إيطاليا التي تجملها بسمة الطبيعة، والتي يتوجها عشرون قرناً من الذكريات الجميلة، أرض العبقرية القوية بمنابعها التي لا تنفد والتي لا يعوزها إلا الغرض المشترك؛ المحاطة بحدود من المنعة بحيث لا تحتاج إلا إلى عزيمة وثيقة وبعض القلوب البواسل لحمايتها من العداء الخارجي. ضع نفسك على رأس الشعب، واكتب على رايتك: الاتحاد والحرية والاستقلال. حرر إيطاليا من البربرية وابن المستقبل وكن نابليون حرية إيطاليا. افعل ذلك نلتف حولك ونقدم حياتنا من أجلك ونجمع الولايات الصغيرة تحت علمك. إن نجاتك في حد سيفك، فأشهر السيف