وتجيء أخيراً المهرجانات والأعياد والموالد، وهذه هي معضلة المعضلات. . . فكم من أمة حكمت مصر، وكم من حضارة ألمت بها، وكم من دين غزاها، وكم أريد بها أن تكون على هوى من أراد فلم تكن إلا ما أرادت بها طبيعتها فنفضت عن نفسها كل ما حاول الجبابرة أن يصبغوها به من ألوان الحياة، ولم تستبق من هذه الأصباغ إلا صبغتين اثنتين هما صبغة الفراعنة وصبغة الفاطميين. أما الفراعنة فلا يزال في مصر من مخلفاتهم هذه الآثار القائمة من الصخر والحجر، وهذه اللغة التي يتكلم بها بعض أهل النوبة، وهذا التقويم الذي يؤقت به المصريون الزراعة، وهذه العواطف التي لا تزال تختلج في نفوس المصريين اليوم بالمنطق نفسه الذي كانت تختلج به في نفوس المصريين من أقدم العصور والتي نحب بها ما كان يحبه أجدادنا ونكره بها ما كانوا يكرهون، فنحن لا نزال نحب النيل ونحتفل بفيضانه كما كانوا يفعلون، ونحن لا نزال نحب الجاموس الذي يساعدنا في فلاحة الأرض كما عبدوا العجل أبيس، ونحن لا نزال نكره الهجرة من بلادنا مهما قست علينا الحياة فيها كما كانوا يكرهون هم الهجرة من بلادهم مع أننا اليوم مسلمون، ومع أن الإسلام يمقت الذين يتشبثون بأرض يستضعفون فيها. وفينا كذلك من تفكيرهم هذه القدرة العجيبة على الاستعاضة بالخيال عن الحقيقة والأمر الواقع، ولعلنا الشعب الوحيد الذي يرضى اليوم أن تلاقيه ولا تغديه، كما أن فينا من أخلاقهم (فرعنة) تجري في عروقنا مع الدم، فالواحد منا إما فرعون يتفرعن على من هو دونه، وإما عبد لكل فرعون ممن هم فوقه رؤساء وحكاماً. وأما الفاطميون فلا تزال مصر تحتفظ بكل ما أقاموه فيها من دعائم حكمهم، فهذه الأضرحة التي تملأ القاهرة وغيرها من مدن مصر وقراها، وهذه الموالد التي لا يزال المصريون يجرون وراءها من القاهرة إلى دسوق إلى طنطن إلى دمنهور، وهذه الخرافات العجيبة المتأصلة في أذهان الناس والتي تخالط عقائدهم من دينية ودنيوية والتي يستقونها من القصص الفاطمي المتفشي بينهم، ومن الكتب المدسوسة عليهم باسم الإسلام والإسلام منها بريء. وهذا التشاغل عن الحياة، وهذه القناعة بخيرات الأرض إذا جادت الأرض بالخيرات. . . هذا وذاك باقيان في الحياة المصرية إلى اليوم من أثر الفراعنة ومن أثر الفاطميين، حتى الدين تأثر بالفراعنة والفاطميين، فالإسلام الذي في نفوس العامة من