للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المصريين إسلام فاطمي، والمسيحية التي في نفوس العامة منهم مسيحية فرعونية. . فالمسلمون من المصريين يفكرون في أهل البيت أكثر مما يفكرون في الله، ويستنجدون بالحسين والسيدة زينب أكثر مما يستنجدون بالله الواحد الأحد خالق الحسين والسيدة زينب وجدهما عليه الصلاة والسلام، وهم يقرؤون قصص السيد البدوي ومناقبه وأحاديث أكلاته ومواقعه أكثر مما يقرؤون القرآن وتاريخ النبي. والمسيحيون المصريون فرعنوا مسيحيتهم هم أيضاً؛ فهم يسمون أنفسهم بأسماء فرعونية مع أن الفرعونية وثنية في رأي المسيحية، ثم إنهم لا يزالون يتفننون في الحزن على موتاهم تفنناً عجيباً لم يكن يحسنه في الشعوب الغابرة أحد إلا قدماء المصريين، ويحسنونه هم اليوم، مع أن المسيحية إيمان مطلق بإرادة الله ورضا مطلق بمشيئته. . . فلماذا انطبعت الحياة المصرية بهذين الطابعين وحدهما. . .؟ ولماذا استطاع هذان الطابعان أن يغالبا الزمن في مصر وأن يبقيا فيها على مر العصور دون غيرهما مما كان يصح أن يؤثر في الحياة المصرية وأن يطبعها بطابعه. لابد أن في الأمر سراً. والسر هو أن الفراعنة والفاطميين أنشئوا دولتيهم على أساس من الدعاية والفن، وقد راعوا في فنونهم أن توافق الروح المصرية، وقد عرفوا أن مصر أرض زراعية، وأن هذه الأرض الزراعية تستذل أهلها بخيراتها، وأنه إذا توفر الخير لأهلها طابت لهم الحياة فيها فلم يعودوا يفكرون في شيء إلا اللهو، فشغلوهم بأنواع من اللهو، كما شغلوهم بأنواع من الاسترقاق خيلوا إليهم أنها أصل خيرهم، فحملوهم على عبادة النيل، وعبادة الحكام، وعبادة العجول، وأولياء الله الصالحين واختلقوا لهم ألواناً من البطولة هي ألوان الآكل والشرب. . .

ولم يكن الفراعنة مجانين ولا كان الفرعون منهم يصدق أنه إله لأنه كان يعرف أنه ضعيف، ولم يكن الخليفة الفاطمي سخيفاً ولم يكن يصدق أن السيد البدوي يأكل بقرة وكبشاً ومائة دجاجة وألف عصفور. . . وإنما كانت هذه هي السياسة التي قام عليها حكم الفراعنة وحكم الفاطميين. . . ونحن اليوم نجتاز ظرفاً جديداً من ظروف الحياة ثبت فيه أن الزراعة لم تعد تصلح أن تكون أساساً لحياة راقية في أمة ناهضة، وثبت فيه أن العلم والحرية أساسان للرقي والنهوض، لذلك يجب أن تتبدل هذه الأسس التي خلفها الفراعنة والتي ثبتها الفاطميون، وليس يستطيع هذا إلا فنانون مبتدعون يخلقون للمصريين المثل

<<  <  ج:
ص:  >  >>