للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بانغام يتخيلها اولاً، ثم يؤلف بين متصاعداتها ومُتنازلاتها، ويوفق بين تموجاتها مستعيناً بآلاته الموسيقية حتى يهتدي الى تأليف قطعة موسيقية تتضمن من الانغام، ما لو سمعها الانسان لشعر بنفس التأثير الذي تأثر به الموسيقي ولخيل اليه انه في مجلس ذلك الموسيقي من شاطئ البحر في تلك الليلة:

ويجلس الشاعر مجلس هذا الموسيقي، ويتأثر بنفس ما تأثر به زميله، فيحاول ان يصف تأثره ويصور انفعالات نفسه بتخير الألفاظ والتعابير التي تحمل تلك التأثيرات الى نفوس السامعين ليجسم لهم الخيال المتولد من تأثير هذه الالفاظ والتعابير، صفير الريح وهزيم الرعد، كما يجسم لهم شعور الاستيحاش من الظلام الذي يشمل الطبيعة في ذلك الموقف

هذا اذا كان الأول يملك من الآلات الموسيقية ومن القابليات الفنية الخاصة بالموسيقى ما تمكنه من بلوغ غاية نفسه.

واذا كان الثاني ذا نفس شاعرة حساسة دقيقاً في تصوره، متقنا في تصويره، مالكاً زمام الالفاظ والتعابير يحسن استعمالها في مواطنها، حاذقاً في أسلوبه، عالماً بنفسيات الناس وما تتأثر به والى غير ذلك من الصفات التي يجب ان تتوفر في الشاعر.

فاذا لم يتصف الموسيقى بما مر ذكره، أسمعنا ولا شك قطعة مزعجة في نغماتها، لا تناسب ولا وئام بين تموجاتها، فلا تولد في النفس التأثير الذي قصد الموسيقى اليه. وكذلك االشاعر اذا لم تتوفر فيه الصفات التي ذكرنا بعضها انشدنا كلاما غامضاً لا نكاد نتبين منهقصده، واذا لم يتبين الانسان قصد الشاعر بما نظم فأين يا ترى يكون موضع الجمال ومحل الابداع، وموطن الروعة من شعره؟

لكي يفلح الشاعر في وصف الجمال او القبح وتصوير اللذة او الالم وغيرها من الحادثات النفسية يجب ان يكون صافي الذهن والنفس، واضحاً في تعابيره واصطلاحاته. استعرض مناظر الكون جمعاء، تحت نور الشفق القاني الأدكن، وتحت أشعة الهاجرة المتوهجة، أو تحت نور الأصيل الذهبي الفاتح، وتحر الجمال وابحث عن الروعة في هذه المناظر، تجد نفسك مهتدياً اليهما دون أي عناء، وتراك تنجذب الى مواطنهما كما تنجذب الفراشة الى الورود والازاهير الزاهية بالوانها الفياحة باريجها.

فالجميل يكهرب حواسك، والبديع يمغطس مشاعرك، فيجذبك اليه فتنجذب. وما ذلك الا

<<  <  ج:
ص:  >  >>