للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للتناسب الظاهر بين اجزائه وللنظام المسيطر على تراكيب تلك الاجزاء والاشكال، وهذا هو سر الوضوح.

استعرض دواوين الشعر ديواناً، واقرأ قصائدها واحدة بعد واحدة، تجد نفسك تعرض عن قراءة بعضها بينما تقبل على قراءة بعض آخر، ابحث في نفسك عن سبب اعراضك وتلمس دواعي إقبالك، تجد أنك في الحالة الأولى لا تستطيع أن تهتدي تحت جنح ظلام الغموض الى الجمال واللذة اللتين تنشدهما نفسك كما تجد أن نور الوضوح في الحالة الثانية ينير نفسك فتهتدي الى الجمال وتلمس اللذة.

اما أن يكون هناك غموضان أو نوعان من الغموض كما يرى الاديب الفاضل شوقي ضيف، فهذا ما لا أتفق معه عليه ولا إخال أحداً من الأدباء يوافقه في مذهبه.

فالكلام إما أن يكون واضحاً وإما غامضاً، ولك ما نرى أو نسمع أو نلمس، وكل ما تتأثر به أنفسنا بطريق الحواس: إما أن يكون واضحاً بتأثيره في النفس، وإما أن يكون غامضاً، ففي الحالة الأولى تتلذذ به لأن نفسنا تستطيع أن تلمس جماله، وتعانق ابداعه، وتحتضن روعته، وفي الحالة الثانية نشمئز منه وننفر؛ فنفسنا لا تتأثر به، لأنها لا تلمس منه إلا شيئاً واحداً، وهو الألم الذي تعانيه من معالجة حل رموزه وطلاسمه. فاذا كانت ثمة نتيجة من قراءة الشعر الغامض، فهي ليست حينئذ لذة من تلمس أثر جمال أو روعة، وإنما هي شعور بألم الخيبة، ولذة الراحة بعد العناء.

ومثل الذي يعالج استنباط المعنى أو الغرض من الشعر الغامض، كمثل من يتوهم أن في بقعة من الأرض ركازاً، فيظل ينبش أرض تلك البقعة الى أن يعييه الاجهاد، ولما لم يجد ما يتوهم وجوده يطرح بمعوله جانباً وهو يلهث كما يطرح بنفسه على الأرض وهو غير مفلح إلا بشيئين: ألم، ولذة. أما الأول فناشئ من شعور الخيبة في العثور على كنزه الموهوم. وأما الثاني فشعوره الناشئ من لذة الراحة بعد التعب والعناء.

أما الأديب الفاضل شوقي ضيف فقد أوجد غموضين (فجلل) الغموض الأول (من حنادس الليل بحجب وأستار) فجعله بذلك مشتملا على ظلام موحش وحلوكة دامسة. أما الثاني فقال عنه إنه غموض جميل (لا تنفر منه النفس ولا تستوحش، وإنما تقبل عليه وتهش له وتجد فيه لذة ومتاعاً كبيراً، ثم راح يشبه غموضه الجميل بالظلال التي لا (تحجب النور)

<<  <  ج:
ص:  >  >>