الضباط فحسب، بل نافذاً على الجنود أيضاً. حتى لا نشاهد تلك المناظر المخجلة في بؤر الدعارة والفساد جنود الوطن وعدته في الشدائد الذين يمثلون أسمى معاني الرجولة والشرف، تمتلئ بهم المواخير في بعض الليالي والأيام.
ويقول معالي الوزير في خطبته السديدة:(ليست الجندية غروراً يملأ الصدور وينفخ في المعاطس، ولا بدلة للزينة؛ وليست الجندية رتباً ولباساً ومطعماً ومتاعاً من النعيم الذليل. ولكن الجندية - وهي أسمى مراتب الرجولة وأسمى منازل الأخلاق - أكرم على الله والناس من أن تكون هذه غايتها وهذا مداها!).
منطق حق وقول سديد. وما أحوج رجال الجيش إلى تدبر هذه المعاني النبيلة، والانطباع على تلك الأخلاق القويمة. حتى يستطيع أن ينهض بأعبائه الثقال قوي العدة متين البناء. فنحن في زمن - كما يقول معاليه - من لم يكن فيه ذئباً كان في الغنم.
ثم يختتم خطابه بقوله:(أوصيكم بأنفسكم خيراً، وتحصنوا بالأخلاق فهي جنتكم من الزلل. ثم أوصيكم بالجنود خيراً، وأكرر هذه الوصاة، فهم عدة الوطن في شدته، وهم طعام النيران! ومن أساء إليهم فقد أساء الوطن، وإني أعيذكم أن تسيئوا إلى مصر وأنتم حماة ذمارها).
وهنا أشير إلى عادة مستهجنة يجري العمل عليها في نظام الجيش، فيها الإساءة البالغة إلى كرامة الجنود وشرف الجندية. تلك هي نظام (المراسلة) الذي يفرض على بعض الجنود أن يكونوا خدماً للضباط لا في ميادين القتال وساحات الجهاد، وإنما في المنازل حيث إعداد الطعام وغسل البلاط وحمل الأطفال! بل وفيما هو أحط من ذلك في كثير من النواحي والشؤون. . .
ومن المؤلم أن تكون هذه الخدمة مطمح الجنود ومقر ذوي الحظوة منهم. وفي ذلك ما فيه من إفساد للروح المعنوية وانحدار عن مستوى الرجولة والشرف. فهل لمعالي الوزير الحازم - وهو يوصي بالجنود خيراً - أن يرفع عن أعناقهم هذا النير الذي يورث الذل والصغار، فلا يفرض عليهم الخدمة في غير المعسكر أو الميدان؟
إنا لنرجو الخير الكثير على يدي معاليه. ولنا في ماضيه الجليل في ميدان الحرب والسياسة، وحاضره المحفوف بالتقدير والإكبار ما يؤكد الثقة ويقوي الأمل في جلال