للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هو، ومثل الشاعر الغامض الذي ينظم قصيدة فيقرأها الناس ولا يفهمون ما اراد بها وما قصد، فيضطرون الى ان يسألوا منها عن مراده وقصده - كمثل كل انسان اعتيادي بما يشعر به تجاه مظاهر الكون وحوادثه.

والسبب الثاني الذي اورده الاديب الفاضل شوقي ضيف على غموض الشعر هو تعقد الحياة النفسية وابهامها، ولعله قاصد بهذا التعقد والابهام عجز الانسان عن تبين ماهية بعض من ميول نفسه ونزعاتها ورغباتها وانفعالاتها و. . . الخ

نعم ان الحياة النفسية معقدة بالرغم من مجهودات البشر العلمية في تحليلها الى ابسط ما يمكن، وستظل معقدة بل سيزيد تعقدها وابهامها كلما تقدمت جهود الانسان العقلية في البحث عن كنه النفس واسرار حوادثها.

اما ان يظل الشعر يلازمه الغموض ما دامت الحياة النفسية غامضة فهذا حكم غير صائب، ولعل الاديب الفاضل قد تورط اضطرار في هذا الحكم وذلك لأنه ضيق على نفسه بيده مجال البحث فناط بالشعر وحده دون سواه من الفنون الجميلة اماطة اللثام عن اسرار هذه الحياة النفسية.

لا يا أخي شوقي! ما كان الشعر في جميع أدوار حياته، ولن يكون وحده الكفيل الضامن للنهوض بهذا العبء الثقيل، فقد وجدناه في سالف العصور ونجده الآن يمد يده الى اخوته، الفنون الجميلة مثل الرسم والنحت والموسيقى حتى الرقص يستعين بها على بلوغ هذه الغاية.

فهناك بعض الحوادث النفسية لا يستطيع الشعر أن يصفها بما لديه من وسائل، وتستطيع ريشة الرسام أن تبرزها واضحة، فعدم استطاعة الشعر في مثل هذا الموقف يجب ألا نعتبره عجزاً منه وتقصيراً بل هو في الحقيقة تكليفه بالخروج عن نطاق اختصاصه وقابليته كما أن هناك بعض الخوالج النفسية يعجز عن ابلاغها إلى النفوس كل من الشاعر والرسام والمثال والموسيقي، ولكن راقصة رشيقة فنانة تتمكن بحركات خاصة أن تعبر عنها وتجسم تأثيرها في النفوس.

فمطالبة الشعر وحده يكشف أسرار الحوادث النفسية ووصفها وتصويرها على اختلاف أنواعها وضروب تأاثيراتها هو السبب الذي حدا ببعض المفكرين أن يرموه بعلة الغموض،

<<  <  ج:
ص:  >  >>