للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على دين قومه، ويستأمر رسولَ الله في قتل شيخ المنافقين ولدُه الذي انحدر من صلبه، ويقول أبي بكر رضي الله عنه لابنه (وكان مع قريش): لو تراءيت لي في المعركة لقتلتك. لا تأخذهم في دين الله شفقة ولا رحمة، ولا يعدلون برابطة الدين رابطة ولا رحماً، ويؤيد الله المسلمين بنصره فينصرهم ببدر وهم أذلة، فيقتلون المشركين ولم يقتلوهم ولكن الله قتلهم، ويثبتهم في أحد ويرسل على الأحزاب ريحاً وجنوداً لم يروها، وينزل أعداءهم من اليهود من صياصيهم. ولبثوا على ذلك حتى أراد الله إكمال الدين وإتمام النعمة، فجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً وعم السلام الجزيرة وألف بين أهلها (ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) واجتمع المسلمون في حجة الوداع، وقام صلى الله عليه وسلم يخطب مبيناً ومودعاً ومبلغاً، فقال:

أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً. أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من أئتمنه عليها وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون.

أيها الناس، إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه دينكم.

أيها الناس، إن لكم على نسائكم حقاً، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبيَّنة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهنَّ في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوانٍ لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً: كتاب الله وسنة نبيه.

أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟

قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد.

وانتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وخرج المسلمون لينشروا دين الله، وينقذوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>