الفطرية، وبأن هذه الفروق يمكن إزالتها بالتربية والتمرين.
وفي عصر النهضة أخذت دراسة الفروق السيكلوجية بين الأفراد اتجاهاً جدياً في المدارس الايطالية، وعنى المعلمون بها في توجيه تلاميذهم إلى نوع العمل والدراسات التي تصلح لهم.
ويعتبر فيتورينو عاش في القرن الخامس عشر أول مدرس بيداجوجي بحق. كان ناظراً لمدرسته ومدرساً بها. وقد اهتم بمعرفة الفروق السيكلوجية بين تلاميذه واكتناه أسبابها، وكيفية استغلالها في تكوين شخصيتهم. درس ولاحظ ميول تلاميذه الطبيعية المختلفة، ومظاهر هذه الميول، وقدراتهم الفطرية. وكان يضع لكل تلميذ منهم طريقة للتدريس خاصة تتفق وقواه العقلية وذوقه. وهو يقول في هذا الصدد (ليس كل فرد صالحاً لأن يكون قانونياً أو طبيباً أو فيلسوفاً محترماً باقي الذكرى بين الجمهور، وليس كل فرد موهوباً نعمة الذكاء الطبيعي).
ونحن نجد مما سقنا عن فيتورينو أنه لم يكتف بمعرفة الناحية النظرية من الفروق السيكلوجية بين الأفراد بل طبَّق هذه المعرفة في مدرسته، بل لقد بالغ وأسرف في تطبيق نظرية الفروق السيكلوجية ونتائجها. فكان لا يتردد في أن يطرد من مدرسته أي تلميذ يرى أنه سيئ الخلق. كما كان في كثير من الأحيان يفصل البلداء، أو من تخلف ذكاؤهم بعد سبق.
وفي القرن الثامن عشر سادت أوربا حركتان عقليتان في فلسفة التربية: الحركة التعقلية التي تعزز من شأن العقل وحده وتدعو إلى الثقة بما يوحي به، والحركة الطبيعية وهي التي تجعل للميول والعواطف المحل الأول في شؤون التربية والاجتماع، والتي تدعو إلى أخذ الطفل بما يوافق طبائعه ويلائم ميوله ورغباته. وتدعو هذه الحركة إلى إعطاء الطفل أكبر نصيب مستطاع من الحرية لتنمية غرائزه الصالحة وقواه المنتجة النافعة. وزعيم هذه الحركة هو جان جاك روسو. وقد كانت رسالته في التربية (إميل) ثورة على نظريات التربية القديمة التي كانت تحول بين الطفل وبين نمو غرائزه، وتحدد من نشاطه العقلي وتقيده بآراء دينية واجتماعية تقليدية.
جاء روسو منادياً بتقوية الفردية وبتشجيع الغرائز على إظهار آثارها، وإزالة العوائق التي