تقطع عليها طريق الحرية الكاملة. وهاك اقتباساً من كتابه (إميل) يحث فيه على تنمية المواهب الفردية وتقويتها:
(لكل طفل استعداد عقلي خاص. ووفقاً لهذا الاستعداد يجب أن يوجه الطفل. وإذا أردنا نجاحاً في تربية الطفل وجب علينا أن نسير مع ميوله الطبيعية. كن حازماً وراقب طبيعة طفلك طويلاً، ولاحظه بحرص وحيطة من قبل أن توحي إليه بكلمة أو إرشاد. دع أولاً بذور طبيعته تترعرع، وأحذر أن تتدخل في نموها إلا قليلاً حتى ترى عم تتفتح براعمها) وإذاً فروسو وراثي المذهب، لأنه يرى أن الفروق السيكلوجية - وهي التي تكون الفردية - طبيعية وموروثة، وأن مهمة المربي هي أن يرعى ما في الفرد - أي الطفل - من قوى، ويراقبها، وهو يحث المربين والكبار على (أن يحترموا الأطفال، وألا يتعجلوا في الحكم على أفعالهم بالخير أو الشر. وإذا كان من بين الأفراد بعض الشواذ، فالأولى أن يتركوهم مدة من الزمن حتى تظهر نواحي شذوذهم، ثم يعالجوهم بما يصلح لها. دع الطبيعة - يعني طبيعة الطفل - تعمل وئيداً، واترك لها الزمن الكافي قبل أن تستعيض عنها غيرها، خشية أن تعطل وظيفتها النافعة).
وفي أثناء المراحل الأولى من نمو الطفل سيعرف الطفل نفسه بنفسه. ويرى روسو أنه (لا ضير أن يترك الطفل وشأنه يفعل ما يشاء، لأنه قد عرف قوة نفسه، ومن المستحيل أن يعمل شيئاً لا يقدر على عمله، ولأنه لا يمكن أن يعدو حدود قدرته الطبيعية، وهو يعرف تماماً ما هي).
ومعنى هذا أن روسو يترك للطفل كامل حريته حتى تنمو فيه الصفات المكونة لفرديته، والتي تميزه عن غيره. فالفروق السيكلوجية إذاً نتيجة للنمو الحر للخواص الطبيعية الموروثة عند الأفراد.
ولكن رجال التربية الحديثة لا يشاركون روسو في هذا النوع من التربية المطلقة، لأنهم لا يثقون بتعليم الطبيعة وقيادتها وحدها، ولأنهم يخشون إن تركت الغرائز الفردية والميول الطبيعية حرة، أن تسلك الطريق المعوج كما تسلك الصراط المستقيم. وهم يعللون ذلك المذهب البيداجوجي الذي اعتنقه روسو ونادى به بأنه رد فعل للروح الاجتماعية والتربوية التي كانت سائدة في عصره والتي قيدت النمو السيكلوجي الطبيعي للطفل.