للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الماضي كثيراً فقليلاً. . . فعرفت بها في البدء أن بين العيد والعيد أياماً لا زينة فيها ولا كعك ولا ضحية، ثم عرفت بعد ذلك أن هناك أياماً للمدرسة، وأن في المدرسة حساباً وعقاباً، ثم عرفت. . . ثم عرفت. . . حتى عرفت أن من الأعياد ما يقضى بين الجدران ووراء القضبان وكنت قد مررت قبل ذلك بسجن في عيد ولم أرض أن أفكر أن فيه ناساً يقضون العيد، ولم أطلب حتى لنفسي الرحمة من محنة كهذه المحنة.

كانت غفلة. ولكنها كانت سعادة. ولكنها كانت غفلة

فأي شيء نرجوك يا رب والسعادة تبدو كأنها من لوازم الغفلة. وأنت تكره الغافلين! نسألك العون على مرارة الفطنة. بل إنا نسألك الهدى إلى حلاوتها.

فكيف نكون إذا اهتدينا؟

فلنر إلى المهتدين

كان محمد يلعب مع سبطيه، وكان المسيح يدعو إلى ملكوت الأطفال، وكان في كل فنان من علامات الطفولة وإماراتها ما يشهد بأن في الطفولة ميزة لو أن الناس يحتفظون بها، ولا يجاهدونها بالستر والكبت والخنق، ولو أنهم يتركونها تنمو في حياتهم وتزدهر كما تنمو أبدانهم وتزدهر، لكبروا وكبرت هذه الميزة معهم واستطاعت أن تطبع حياتهم بذلك الطابع الذي تطبع به حياة الأطفال، وهو طابع السعادة. . . ولن تكون ثمة غفلة مادام العقل ينضج شيئاً فشيئاً، وما دامت هذه الميزة تهديه في نضجه فتحميه من الاتجاه إلى الخطيئة وتأخذه بالتصويب الحق الذي تأخذ به أهل الفن المهتدين. . . وإذا كانت الإنسانية قد غيرت في الماضي أهل الفن هؤلاء بشذوذهم عن أوضاع الناس المألوفة للزومهم هذه الطفولة والتزامهم منهجها فإنها إذا آمنت بها وانتهجتها هي أيضاً ستعرف أن محمداً لم يكن يعبث بوقته الغالي عندما كان يلعب مع سبطيه، وأن المسيح لم يكن يهرف حينما كان يلفت أنظار الناس إلى الأطفال ويؤكد لهم أنهم أقرب إلى الله والحق من الكبار وأشد به صلة، وأن موسى لم يكن مخطئاً حينما استنجده الذي من قومه وكان عدوه يضربه فلكم عدوه فقتله، فليس هذا إلا ما يفعله الطفل أو البدو وهم أطفال الشعوب بين حضارات البشر المكتهلة، وقد نجاه الله بعدها من الغم فلم تعد نفسه تنغص عليه حياته بالحساب والتأنيب والتعنيف. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>